وجدته جالساً وقد أخذت منه السنون كل مأخذ, بجانبه عصاه وعلامات الزمن خطت وجهه وكسا البياض كل ما هو أسود، جلست بجانبه وكلمني بنبرة المُتعب والمنهك تنم عن أسى وحسرة, متى يأتي يا ولدي الشيخ, فقلت يا عم والله لا أعلم فهم ليس لهم وقت محدد, فرد والله إني يا ولدي من الساعة ثمان وأنا انتظر الشيوخ وما رأيت أحدا وأنا أتٍ من بعيد, هم لماذا يتأخرون, قلت والله ما أدري، لكن يا عم ما هي غريبة, وأنا بالمثل انتظرت حتى مللت من الانتظار وغادرت المكان، وكان ذلك الساعة العاشرة بتوقيت محاكمنا الموقرة وهو يردد عسى بالأمر خيرة, عسى بالأمر خيرة. هذا ما حدث من موقف بل قُل مواقف تتكرر يومياً في محاكمنا وللأسف.
السؤال المهم : لماذا يتأخر القضاة والشيوخ في المحاكم وكتابات العدل عن أعمالهم ولماذا تتعطل معاملات الناس, بل الأدهى والأمر أن هناك من يُقر بوجود تعليمات من وزارة العدل بذلك, فإن كانت وزارة العدل تعلم فتلك مصيبة, ما المبرر لتأخر القُضاة والشيوخ لساعات طوال ولأداء صلاة الظهر أيضا ساعة كاملة إن لم تزد, إذاً ماذا تبقى من وقت لإنجاز المراجعين والنظر في القضايا, ألستم قدوة لنا, والبعض يُبرر ذلك بأن القضاة يعملون في قضايا مصيرية فعفواً ليسوا وحدهم من يعمل في قضايا مصيرية: فالطبيب الجراح يتعامل مع أرواح بشرية، ومخطط الحوادث المرورية يعمل في قضايا مصيرية، ورجال مكافحة الإرهاب والمخدرات يقدمون أرواحهم في قضايا مصيرية، وموظفو الجمارك يعملون في قضايا مصيرية، والقائمة تطول فالأغلب يعمل في قضايا مصيرية بل جد حساسة تهم المجتمع بأسره، فليس هناك ما يبرر التأخير وتعطيل الناس ومعاملاتهم.