أخذت أعمال الدراما السعودية في رمضان بحكم تراكم الخبرة تمثل منبرا للتعبير عن آراء المجتمع وتطلعاته، ومعالجة همومه ومشاكله، مما جعل كثيرا منا يتعلق بها ويحرص على متابعتها تعلقا فطريا تستدعيه حاجات الناس الوجدانية التي ترغب في الظهور عبر تلك الأعمال الدرامية التي تعرض بأسلوب شيق محبب للجميع، بعيدا عن الابتذال. حالة خلاقة للفن يستهدف بها التعبير عن الرأي والمشاركة الوجدانية للمجتمع في معالجة قضاياه، هذه الحالة تتجلى واضحة في رمضان نظرا للزخم الدرامي الهائل الذي يستهدف كشف عيوب المجتمع، ورسم تطلعاته لمعالجة كثير من السلبيات في حياته، وتمثل لدى البعض المتنفس التعبيري الأكثر شمولية وشعبية في حياة المجتمع في ظل انحسار المسرح، وانعدام السينما. وعن التعلق الوجداني ببعض الأعمال الدرامية في شهر رمضان المبارك يقول بطل مسلسل "بيني وبينك" الممثل راشد الشمراني وهو حاصل أيضاً على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي : هذه الأعمال تمثل انعكاسا لحياة المجتمع، ويجد المتابعون ذواتهم لا إراديا فيها , وذلك لتوفر عوامل المكان ولغة الحوار , إضافة إلى المضامين وطرق المعالجة المستمدة من ثقافة المجتمع. فنصوص الدراما الرمضانية موجودة في الأصل في حياة المجتمع قبل عرضها على الشاشة، وما يصنعه النص المقدم على الشاشة هو عملية جذب المشاهد السعودي تحديداً ليرى نفسه وواقعه وتطلعاته، ونقده النقاط المظلمة التي قد يكون الوصول لها صعبا بصورة نسبية. ويتم عرض تلك النقاط على اختلاف أهميتها وحساسيتها بقوالب محببة للنفس، الأمر الذي يزيدها قبولا، فلم يعد الضحك من أجل الضحك مطلبا، بل باتت المعالجة المتزنة هدفا للجميع، مما حقق هذا الجذب للمشاهد.

أما مديرة مركز غراس الخير بالدمام الأخصائية الاجتماعية فوزية الهاني فترى أن أعمال الدراما السعودية في رمضان نجحت في استقطاب جميع أفراد الأسرة لمشاهدتها من مختلف الأعمار الأطفال والرجال والنساء. وذلك النجاح يلقي بمسؤولية كبير على عاتق القائمين على الدراما , مع ضرورة مراعاة قيم المجتمع ومفاهيمه، إضافة إلى وجوب البحث بعمق في المعالجة الدرامية للموضوعات المختلفة، والقوة في الطرح بما يعكس تطلعات وآمال المجتمع بمختلف شرائحه. فهذه الأعمال أخذت بحكم تراكم الخبرة تمثل منبرا للتعبير عن آراء المجتمع وتطلعاته، ومعالجة همومه ومشاكله، والتعلق بها أمر فطري تستدعيه حاجات الناس الوجدانية التي ترغب في الظهور عبر تلك الأعمال الدرامية التي تعرض بأسلوب شيق محبب للجميع، بعيدا عن الابتذال. ويرى اختصاصي علم النفس الاجتماعي بالهيئة الملكية في الجبيل سعيد سعد بن ذيبة أن الارتباط الشرطي بين قبول الدعوة للإفطار ووجود التلفزيون يعد تعلقا نفسيا لا إراديا حيث يجد أولئك الأفراد أنفسهم في المعالجة الدرامية، ويأتي تعلقهم بمشاهدة هذه الأعمال التلفزيونية احتياجا نفسيا بالدرجة الأولى للتعبير عن الرأي، وليس للمتعة والضحك كما يعتقدون. فالمشاهدون يتابعون أعمالا يتم من خلالها التعبير عن رغبات الناس وتطلعاتهم، و كذلك التعبير عن قضايا المجتمع، بما يتضمن ذلك من الكشف عن ألوان الفساد والمحاباة والانحراف، وفضح وكشف الانحرافات في الأعراف الاجتماعية والأنظمة وتعريتها للرأي العام من خلال العرض الدرامي. ووصف ابن ذيبة تلك النوعية من الأعمال الدرامية الناجحة بأنها حالة خلاقة للفن يستهدف بها التعبير عن الرأي والمشاركة الوجدانية للمجتمع في معالجة قضاياه. وهذه الحالة تتجلى واضحة في رمضان نظرا للزخم الدرامي الهائل الذي يستهدف كشف عيوب المجتمع، ورسم تطلعاته لمعالجة كثير من السلبيات في حياته، ولهذا يتعلق كثير منا بتلك الأعمال. ومن هنا فإن اشتراط وجود التلفزيون لقبول دعوة الإفطار قد تكون استجابة فطرية لحاجات النفس البشرية لتلك القيم والاتجاهات التي تحققها الدراما الرمضانية السعودية تحديدا. نظرا لأنها تعتبر المتنفس التعبيري الأكثر شمولية وشعبية في حياة المجتمع في ظل انحسار المسرح، وانعدام السينما. ومن جانبه يرى اختصاصي دراسات اجتماعية بتعليم الشرقية عبدالإله التاروتي أن الأعمال الرمضانية استطاعت أن تعالج مرتكزا ثقافيا ولو بصورة جزئية وذلك من خلال عرض السلبيات وتعزيز الإيجابيات، الأمر الذي جعلها تحقق جذبا كبيراً للمشاهدين. والمطلوب من مثل تلك الأعمال الدرامية أن تلعب دورا فاعلا أكبر وأن تأخذ المبادرة نحو النمو المعرفي للمجتمع، فكلما سارت هذه الأعمال في هذا الاتجاه نجحت في جذب أكبر للمشاهدين والمتابعين لها، فالدراما الفاعلة بحاجة إلى هزة وجدانية حقيقية بعيدا عن النرجسية للوصول إلى معالجة حقيقية لتطلعات المجتمع وقضاياه.

كما يجب أن تستثمر الدراما الرمضانية هذا التعلق لدى المشاهد من خلال المعالجة الهادفة وليس الضحك للضحك، لأنها ستخلق حالة من النمو المعرفي المتزن يسهم بدوره في معالجة حالات التخلف الثقافي لدى المجتمع. فالدراما لا تقدم حلولا، وإنما ترسم تطلعات، وتقرع أجراسا لقضايا عدة، المسؤول الأول عن حلها هو مؤسسات المجتمع المدني وليست المؤسسات الرسمية أو القرار الرسمي.