يستخدم السياسيون هذه العبارة: إن الثورة تأكل أبناءها كما تأكل القطة أولادها، وهو ما رأيته أمس في بيتي فقد استقبلني علم جير العامل البنجالي ممتقع اللون يلهث قال: بابا تعال أنت في يشوف؟ أخذ بيدي وبالكاد تحملت المنظر، فالقطة التي سماها علم جير عصمان كانت قد وضعت طفلا يتيما حاولت أن تخبئه عن أنظار (الهوارين = ذكور القطط) بكل سبيل ممكن وكان علم جير بذاته قد أعد قفصا لحراسة الرضيع القط، ولكن أنياب وأظافر (الهوارين) كانت أسرع، كان قد بدأ للتو في التهام رأسه بعد خنقه.
بقيت القطة عصمان تموء بحزن وتبحث عبثا عن رضيعها، وهذه هي الحادثة الثانية من غابة القطط التي أعاصرها. الأولى سمعت بعد منتصف الليل حشرجات وصيحات كتومة فخرجت لأرى القط الصغير في سكرات الموت وفي آخر نزع الروح، وفي القصيم حين ربيت الأرانب في الحديقة عاصرت منظرين لا أنساهما الأول لأرنب ذكر يلتهم الرضيع من مزرعته والثاني القطط التي تلتهم صغار الأرانب، وأذكر جيدا صراخ الأرانب الصغيرة وكأنها صرخات الرضع الإنسانية ثم تختفي الجثث، حين رويت لمن حولي الواقعة ذكروني بقتل الإنسان أخيه الإنسان أليس هو شر مآلا وأعظم جرما.
والسؤال الفلسفي والبيولوجي لماذا تفترس السنوريات أطفالها؟ هل هي خوف المشاركة في المكان والطعام والإناث كما يقول علماء البيولوجيا، وهي تحدث خاصة أي التهام الصغار من الذكور؟ اعترف أنني لم أقرأ في غرائز الحيوانات جيدا!
كان علم جير أثناء هذا قد حبس القط الكبير الذكر في الحمام بعد أن أشبعه ضربا والتفت إلي وقال هل نعدمه؟
قلت لعلم جير سنكون مثله في الإعدام وندخل عالم الغابة؟ قلت له أطلقه فهو لا يعرف ما يفعل.. وانطلق الهارون المعتدي بساقين نشيطتين ونحن نتأمله وهو يمعن فرارا، ونتوقع هجوما آخر منه مع الرضع الجدد للقطة المسكينة عصمان (هكذا سماها علم جير).
وهنا تذكرت من كليلة ودمنة قصة الحية والفراخ والغراب وكيف دل الطير على التخلص من الأسود ذكر الحية بخطف حلية أميرة ثم الطيران بها حتى وكر الأفعى ثم إلقائها هنا فكانت عصي الخدم ممتازة في القضاء على الأسود..
السؤال الفلسفي بقي مفتوحا يارب لا أفهم طبيعة هذا الكون وأكل الكائنات بعضها بعضا ونحن نفترس يوميا الخرفان والأرانب والدجاج ونذبح الديكة ونتمتع بستيك الثيران حين يسألنا الجرسون كيف تريدون اللحم يقول أحدنا مشوي جيدا (Well done).