في كل عام يكون هناك نقص، أو غياب لبعض المواد من السوق المحلية، ويستمر ذلك لفترة من الزمن حتى يصل إلى مرحلة الأزمة، ويصاحب ذلك ارتفاع غير معقول، وغير مقبول في الأسعار، ولا أعلم هل هذه الأزمة حقيقية، أم مفتعلة، ويتكرر المشهد كل عام، فهناك أزمة في الشعير الذي يعد الغذاء الأساسي للمواشي في كافة أرجاء المملكة خاصة عند شح المياه الجوفية، وتأخر نزول الأمطار عن مواسمها المتوقعة، وهناك أزمة أخرى في الأسمنت مع أن مصانع الأسمنت تغطي معظم مناطق المملكة، وهناك أزمة في مياه الشرب في بعض المدن، والمحافظات، مع أن وزير المياه والكهرباء توقع بأنه لن يكون هناك انقطاع في الماء، والكهرباء لهذا الصيف، وآمل أن يكون توقع معاليه في محله، ولا نرى أخبارا مزعجة في الصيف المقبل عن انقطاع الماء، أو الكهرباء عن المستفيدين في كافة مناطق المملكة، وهناك أزمة ثالثة قد تعود مرة أخرى في الدقيق، وهناك أزمة رابعة قد تحدث في الصيف في مجال الكهرباء نتيجة للاستهلاك الكبير في هذا الفصل، وهناك أزمة في حديد التسليح تظهر بين الحين والآخر، وهناك أزمة... ويثار الكثير من الأسئلة حول هذه الأزمات التي يتكرر معظمها في كل عام؛ حتى إن البعض بدأ يشكك في أن هذه الأزمات المتكررة عبارة عن مسرحية أبطالها مجموعة من الأفراد (التجار) المستفيدين من ظهورها، وتكرارها، ومن هذه الأسئلة ما يلي: ما الأسباب الحقيقية وراء ظهور هذه الأزمات؟ ولماذا تتكرر هذه الأزمات في كل عام؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه الأزمات؟ وما الحلول المناسبة لهذه الأزمات؟ وما الدروس المستفادة من هذه الأزمات في السنوات الماضية؟ ألم تتكون لدينا خبرات تراكمية من تكرار هذه الأزمات؟ وغير ذلك من الأسئلة المتعلقة بهذه الأزمات.

ومن يزور الأسواق المخصصة لبيع الشعير، والأسمنت في هذه الأيام يرى طوابير طويلة من السيارات منها ما هو في انتظار وصول إحدى سيارات النقل الخاصة بالأسمنت، والمجموعة الأخرى في انتظار الشعير، وقد تصل مدة الانتظار في هذه الطوابير إلى أكثر من عشر ساعات، والمحصلة النهائية عدد من الأكياس قد لا يتعدى عشرة أكياس من الشعير، أو من الأسمنت بعد هذا الجهد، والعناء، وقد تكون المحصلة لا شيء، وهنا أرى أن الجهات المسؤولة عن استيراد الشعير مطالبة بتوضيح الأسباب الحقيقية وراء أزمة الشعير، هل النقص في الكميات المعروضة في السوق سببه النقص في الكميات الواردة من بلاد المصدر الأساس لحبوب الشعير؟ أم أنه لتأخير وصول هذه الكميات؟ أم أنه أزمة مفتعلة من بعض التجار ليقل المعروض في السوق، ويزيد الطلب؟ ومن ثم يتم التحكم في الأسعار، ورفعها للحد الذي يناسبهم مما يضطر المواطن للشراء بأي سعر كان، فإذا كان السبب من المصدر فيوضح للمواطن السبب، ويتم بذل الجهود بشكل مكثف من قبل هذه الجهات لتفادي التأخير في إجراءات وصوله، ولتوفيره بكميات كبيرة تغطي احتياجات السوق المحلية.

أما أزمة الأسمنت فقد تسببت في تأخير العديد من المشاريع التنموية، وبعض المشاريع الخاصة، ولا بد من توضيح الأسباب، ومصادرها، فقد يكون من ضمن هذه الأسباب خلل في أكثر من مصنع مما يؤدي إلى توقف خطوط الإنتاج لفترة من الزمن، وهذا شيء وارد، أو لعدم توافر بعض المواد اللازمة لصناعة الأسمنت، أو غيرها من الأسباب المقبولة، أما إذا كانت الأسباب تعود للأدوار التي يلعبها أبطال المسرحية التي ذكرتها في بداية المقال بهدف تقليص المعروض في السوق مما يؤدي إلى زيادة الطلب، ومن ثم رفع الأسعار، فلا بد من الضرب بيد من حديد على من يتسبب في إيجاد هذه الأزمة من ضعاف النفوس، ولا يكفينا التشهير بهم فقط؛ لأنه قد يكون بمثابة دعاية لهم غير مدفوعة الثمن، بل يجب أن تكون هناك عقوبات قاسية، ويتم حرمانهم من التسهيلات التي يحصلون عليها من الدولة بدون مقابل، ويتم إيقاف أنشطتهم المختلفة لفترة طويلة من الزمن.

ونتيجة لهذه الأزمة فقد عمد بعض موردي، أو متعهدي الشعير، والأسمنت إلى تخزين كميات كبيرة في مستودعات خارج المدن، وبعيدا عن أنظار الجهات الرقابية، ويتم بيعها بمبالغ خيالية، وهنا لا بد من تكاتف الجهود بين المواطنين، والمراقبين من الجهات المسؤولة لمتابعة المخالفات في هذا المجال، ومعاقبة من تثبت مخالفته، وتلاعبه بالأسعار، كما أن المواطن، أو المستفيد مطالب بضبط النفس، وعدم الاندفاع، والتحلي بالصبر عند حدوث النقص في هذه المواد، وعدم الانتظار الطويل في هذه الطوابير؛ لأن غياب هذه السلع مؤقت، ولن يدوم طويلا، فإذا تركنا الشراء غير الضروري لهذه السلع، فقد تتوفر في السوق، ويزيد العرض على الطلب، ومن ثم تعود الأسعار لمستوياتها الأولى، ولكن في حالة الإقبال الشديد عليها يؤدي إلى نقص الكميات المعروضة، وزيادة الطلب، ومن ثم يتم عرضها في السوق بكميات قليلة، وبأسعار مرتفعة.

وكل عام تتكرر هذه الأزمات، ولم نستفد من هذه الخبرات حتى وإن كانت خبرات سلبية، ونعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها قبل حدوثها، فمن أزمة في الشعير إلى أزمة في الأسمنت، ولا ندري ما هي الأزمة القادمة، وقد تكون في الغد القريب، فهل نحن مستعدون لها؟