كانت هناك مزرعة في روسيا يديرها السيد (جونز)، والحيوانات في هذه المزرعة تشعر أنّ أسلوبه في التعامل معها فيه الكثير من الظلم والقسوة والاستغلال، ولقد عملت جملةٌ من الظروف على تصعيد مشاعر النقمة في نفوس الحيوانات.
ومع أوّل فرصة تعلن الحيوانات في المزرعة الثورة على السيد جونز، وتتمكّن من طرده، لتصبح المزرعة تحت سيطرتها.. تتولّى مجموعةٌ من الخنازير إدارة وتنظيم العمل في المزرعة، رافعةً خلال ذلك شعارات أو وصايا تدعو إلى الإخلاص في العمل والتفاني فيه لإقامة المجتمع الحيوانيّ الجديد الذي تنتفي فيه كلّ أشكال الظلم والاستغلال، ويسوده الرخاء والعدل، وتربط بين أفراده أواصرُ المحبّة والإخاء.. نعم إنها الديموقراطية الحيوانية.
رواية كتبها أوربل البريطاني في عام 1943، وإن كانت خيالية بعض الشيء، لكنها أصبحت حقيقة في هذا العصر، فقد أخذنا نسمع عن" الديموقراطية الحيوانية" و"حركات التحرر الحيواني" و"المجتمع المدني الحيواني" وقد نسمع قريباً عن "الأممية الحيوانية" واليمين واليسار الحيواني، وربما، ولم لا، عن "نقد العقل الحيواني"!
حضارات معاصرة طورت اهتمامها بالحيوان كالحضارة الغربية، وحضارة اليابان، والنمور الآسيوية، والصين، فعملوا مقابر خاصة لها، وأماكن حلاقة وتنظيف وتجميل خاصة بالحيوانات الأليفة، وعلم النفس الحيواني، ومحاكم خاصة بالحيوان للبت في الجنح والجرائم والجنايات الحيوانية (ابتداء من التلويث إلى العض إلى القتل)، فقبل أيام عاقبت محكمة فلبينية طالبا جامعياً بالسجن لمدة شهرين بجريمة تعذيب قطة وقتلها داخل الحرم الجامعي، وغرمته 46 دولارا لانتهاكه قانون رعاية الحيوان. وقبل فترة بسيطة كذلك قام ثري صيني يملك مزرعة كلاب بإنفاق 450 ألف دولار أميركي على شراء كلب من دماء صافية ونبيلة، قام فيه بإرسال أكثر من 20 سيارة فخمة تتضمن بورش ومرسيدس وBMW وشاحنات من نوع همر تم تزيينها جميعا بوشاح أحمر لتقل الكلب من المطار بالإضافة إلى فرش سجاد أحمر ليسير عليه الكلب.
بل أكثر من ذلك أصبح حب وحماية الحيوان قضية حاسمة حتى على الصعيد السياسي في التنافس بين المرشحين في الانتخابات العامة، حيث يروي حاكم فرنسا (ميتران) رداً على منافسه آنذاك ( ديستان) بصدد حب الحيوانات: "أنا أحبها أيضاً".
إنني أتساءل: ما هو السر في هذا الوعي الحيواني المتنامي والذي أسهم في بلورة الوعي بحقوق الحيوان في هذه الدول؟
إن الاختلال الذي أحدثته الصناعة (الإنسان) أخذ يطال الحيوانات من ارتفاع لعدد الأنواع المنقرضة تحت تأثير المواد الملوثة للبيئة، ناهيك عن ملايين الحيوانات التي تتم إبادتها في المختبرات، وكذلك المجازر اليومية، والتي يعتبرها النباتيون أفظع أنواع العدوان التي شنها الإنسان على الحيوان. العنصر الثاني هو التقدم المعرفي وظهور دراسات حديثة تؤكد على أن الحيوانات كائنات ذات بعد نفسي، إذ إن لها عواطف وانفعالاً ووجداناً وذوقاً ونوعاً خاصاً من العقلانية كحضارة "النمل" و"النحل". أما العنصر الثالث فهو نشوء مجتمع حيواني مواز للمجتمع البشري يعيش مع الإنسان كالقطط والكلاب، أعزكم الله، والتي تصرف عليها الملايين في فرنسا كميزانية سنوية حتى إنه أصبح مجموع هذه الحيوانات الأليفة يضاهي عدد السكان والتي تصل إلى 35 مليون حيوان أليف.
إن مسألة إبراز حقوق الحيوان اليوم في الدول المتحضرة وظهور الإعلان العالمي لحقوق الحيوان 1978م إلى جانب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م هي في إطار التكامل، وليس هناك تعارض بينهما، فهي امتداد لإستراتيجية التحرير والتي ابتدأت من تحرير العبيد ثم النساء وانتهاء بتحرير الحيوان.
فإذا كان الحديث عن" ديموقراطية حيوانية"، واستراتيجيات لتحرير الحيوان في دول عربية تعج بثورات شعوبها على الظلم والاستبداد هو من الترف الفكري، فعلينا معرفة أن هذه الدول المتحضرة لم تصل إلى هذا المستوى من الاهتمام بالحيوان إلا بعد اهتمامها الكبير بحقوق الإنسان.. دول أعطت للإنسان حقوقه كاملة فمنحها كل جهده وعطائه وتفانيه وانتمائه فصنع السيارات والطائرات والصواريخ حتى وصل إلى سطح القمر، الأمم المتحضرة لا يمكن أن يتعرض المواطن فيها لأي انتهاك في أية دولة أخرى يحل فيها، ولو مسه أحد بقطرة ماء أو حتى نسمة هواء لقامت الدنيا ولم تقعد!
إنني أتساءل: هل يصح لنا أن نتحدث عن "ديموقراطية حيوانية " ومازال المواطن العربي يلهث من الصباح إلى المساء للحصول على حقوق يفترض أن يحصل عليها دون جهد ليتفرغ فقط، وفقط للمشاركة الفاعلة في بناء وطنه، لا أن يمضي جُل عمره في البحث عن وظيفة، وتأمين حياة زوجية كريمة، وتجده يتصبب عرقاً لبناء منزل، ويبحث لشهور وربما سنوات عن علاج في مستشفى، ليمضي بقية حياته إلى أن يشيب رأسه في تسديد القروض؟
كيف نتحدث عن" ديموقراطية حيوانية" لشعوب عربية مازالت تبحث عن حقوقها المهدورة وكرامتها المهانة في أوطانها؟ كيف يمكننا الحديث عن اليمين واليسار الحيواني وشعوبنا العربية تطرفها فاقع من اليمين إلى اليسار؟
إن مواطني الشعوب العربية النامية يتمنون أن يحصلوا ولو على شيء بسيط من "حقوق الحيوان " و "الديموقراطية الحيوانية" في الدول الغربية، ليعيشوا بحرية وكرامة وعدالة وعيش كريم، ولعل ثورات الشعوب العربية الآن هي الحقبة المضيئة التي تطوي الحقبة الاستبدادية المظلمة التي تتجسد فيها القيم العليا والمبادئ الإنسانية الراقية.