ولولا أن سعادة الشيخ، سليمان الراجحي، تحدث للإعلام عن قراره بتوزيع ثروته على ورثته، لما كتبت اليوم، ذاك أنها في الأساس مسألة عائلية خاصة. ثم إن سوادنا الأغلب الأعم، يتقاطع مع سليمان الراجحي بطريقة أو بأخرى، وعلى المستوى الشخصي، لا أعلم أنني ـ سلمت ـ شهراً واحداً منذ عودتي من الدراسة العليا بالغرب دون أن يكون لهذا الثري نصيب من راتبي آخر الشهر.
أنا أدفع له يومياً ما لا يقل عن عشرة ريالات ومنذ عقد ونصف من الزمن كفائدة شرعية ومشروعة على قروضه البنكية التي حفظت ماء وجهي عن السلف والدين. ومن سليمان الراجحي ركبت أول سيارة جديدة، ومنه أيضاً أكملت نهايات منزلي ومنه أيضاً اشتريت أول أثاث منزلي أشعرني ذات يوم قريب أنني أنام وأصحو تماماً مثل الطبقة المتوسطة. وحتى اللحظة ما زال سليمان الراجحي يشعرني بأكثر ما أفتخر به في سيرتي الذاتية المتواضعة: أنني مدين طوال حياتي في الوظيفة وأنه يقتطع من راتبي قسطه الشهري قبل يوم من نزول المرتب، وللأمانة مع النفس، فقد انتهى ذلك الزمن، الذي كنت أسابق نظامه الآلي ـ لتصفير ـ حسابي قبل أن يقوم هو بالمهمة.
لكن قصة الجميع مع الشيخ المحسن الجليل، هي قصة الكماليات التي أتاحتها أنظمة البنوك لطالبي الاقتراض. وحين يقول سليمان الراجحي بالأمس إنه يدعو الجميع إلى الادخار وتقنين الاستهلاك فهو مثل من يضع كيساً من الرمل في مجرى سيل جارف. ابتدأ هذا الرجل ـ العصامي حياته حمالاً مجاهداً وأنهاها على رأس المصرف الأهم في السوق الاقتصادي الأقوى في كل العالم الثالث. ويقول سليمان الراجحي بالأمس، في حديثه المثير، إنه لم يعد بحاجة لريال واحد من كل هذه الثروة إلا أن يأكل منها ويشرب. يقول إن لديه من الملابس ما يكفيه حتى الموت. وكما يقول المثل الشعبي (تهامزني رابعة)، وهي شيطان الخيال، أن أذهب غداً لبنكه من أجل قرض جديد كي أشتري من الأثاث المنزلي والملابس لي ولأفراد أسرتي ما يكفينا إلى الموت ثم أبدأ بعدها رحلة الادخار وتقنين الاستهلاك تماماً مثلما فعل سليمان الراجحي. (تهامزني رابعة) أن أوزع ثروتي على أطفالي وأن أعلن هذا القرار في ندوة عامة تماماً مثلما فعل الراجحي ولكن من يكبح فينا جماح الاستهلاك وماذا لدينا كي ندخر ونحن الذين نوزع كرتون الدجاج المثلج تناوباً مع اللحمة الحمراء وأنا في قلب الطبقة المتوسطة؟ والصدق، أنه بدون الله ثم بدون سليمان الراجحي لم يكن ليتسنى لي على الأقل هذا الشعور بأنني من هذه الطبقة.