لأنه مسافر بنا عبر السنين على جناح البهجة فنحن ننسى دائما أنه يحزن ويهتم، ننسى أنه قد يمرض وينام على السرير الأبيض.

عوّدنا أبونورة ألا يتحدث لنا عن شأنه الخاص، همومه وإخفاقاته وأوجاعه وكل أعماله خارج الفن، لأنه عرف، من أول يوم، أن ما يربطه بنا هو الفن وحده، وأدرك أنه رمز إسعاد وجمال فأراد أن يبقى في ذهننا رمزا صافيا.

حين استجاب محمد لموهبة منحه الله إياها شق طريقا للقمة صعبا، وعورة الطريق وخيارات الموهبة وصراع العوائق، والصعوبة الأكبر كانت في مرارة نظرة المجتمع لمهنة الفنان. مجتمع يحب الطرب لكنه يضع المطرب في خانة مريبة.

قدم محمد صورة ناصعة عن الفنان مسح بها ما رسخ في ذهننا من صور مشوهة عن أهل الطرب، واستطاع، بتوفيق الله، أن يكون نجما متفردا من بداياته، في فنه وسلوكه وشخصيته، وأستاذا شارك في تربية ذوقنا ومشاعرنا ونظرتنا للحياة والجمال.

حمل محمد، بإخلاص ووعي وإتقان، وجدان جزيرتنا، شعرا وألحانا ولهجات ليضعه، بالموسيقى، في مكانه اللائق في الثقافة العربية، فصار، بجدارة، وثيقتنا الطربية وبيرقنا الفني وسفيرنا الأمين مطربا وإنسانا.

محمد عبده دفتر أشجاننا الذي نتصفحه حين يطوف بنا طائف حب، ألبوم حياتنا الذي نتلمسه كلما مسّنا حنين، عودنا الذي نحضنه حين نسهر، زغرودة أفراحنا وحادي أسفارنا، مطربنا الرقيق وقت الرخاء ومنشدنا الملهب يوم النفير.

هذا أوان أن نشكر محمدا ونطبع قبلة على جبينه، وأن نضع باقة ورد بيضاء في غرفته ونقول له: نحن نحبك يا محمد. أنت جزء من حياة كل واحد فينا، حكايات حب مورقة في أعماقنا، لذلك نتمنى عليك أن لا ترهق نفسك أكثر.

افعل ذلك من أجلنا وإلا ترانا نزعل منك!

يرضيك نزعل؟