سألتْه مذيعة "روتانا": "أستاذ عبادي، الجرح أرحم من شو؟"، فبكى..
بعد عام من وفاة صوت الأرض، وفي سنةٍ خصيبةٍ من سنوات وهج مسرح المفتاحة، استأذن عبادي الجمهورَ في أن يغني لطلال "أحبك لو تكون حاضر"، فبكى..
بعد عام من وفاة صوت الأرض، وقبل عشر سنوات من الآن، ومن جبل ذرة، وفي سنةٍ خصيبةٍ من سنوات اخضرار ذلك الجبل المهيب، كنتُ أقدم برنامج "ليالي أبها"، على الهواء مباشرة، وكان ضيفي عبادي، حينها قلت له: "طلال كان معك في أبها الجديدة قبل عام، والآن أنت في أبها الجديدة دون طلال..."، لم أكمل سؤالي، لأنّ "عبادي" بكى..
عبادي يغنّي "عطشان اسمع يا نهر"، ثم يتوقف فجأة، لأنّه يبكي..
البكاء ـ عندي ـ حالةٌ عليا في القوة، وسمةٌ أسمى في الإنسان؛ لأنه حين يبكي، يكون قد تخلص من: الشحن النفسي، والوهم، والغرور، والخبث، والنفاق..
البكاء حالةٌ قصيّةٌ من الصدق مع النفس، ومع الآخرين، ومع الفطرة الإنسانيّة..
والبكاء المكرر الصادر عن فنان بحجم عبادي الجوهر، يعني أنّه صادق، والصدق صفة ملازمة للفنان الحقيقي، والشاعر الحقيقي، والرجل الحقيقي، لأن الرجال الذين لا يتصنعون، يبكون كالإنسان، ولا يتبعون الوهم القائل: الرجال يبكون في قلوبهم فقط..
عبادي الجوهر يغني بقلبه، قبل حنجرته، فيصل صوتُه الشجي إلى قلوبنا قبل أسماعنا، لأنه يغني ليغني، لا ليقول الناس: إنه يغني، ولأنه يغني للناس، للحياة، للوجدان، للعاطفة الإنسانية، للحزن فينا، وللفرح حولنا، لا ليقول الناس: إنه مطرب، وهنا يكمن الفرق بين الفنّان، وممتهن الفن.
عبادي الجوهر يبكي، ويغني ليقول لسامعه: ابك، فأنت في حاجة إلى البكاء.. ابك وقل: الحمد لله على نعمة البكاء، التي حُرم منها القُساةُ والأدعياء وآكلو لحوم الناس، والمشغولون بصناعة الألم، ومتتبعو عورات البشر، ومن تبعهم بغير إحسان إلى يوم الدين.