صدور تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتوضيح مهامها ونطاق عملها يؤكد الإرادة الصادقة في حماية النزاهة ومحاربة الفساد والمحافظة على مصالح المواطن وثروات الوطن. ولا شك أن الهدف الرئيس من إنشاء الهيئة هو المحافظة على المال العام. وبحسب تصريح رئيس الهيئة محمد الشريف (صحيفة الوطن العدد 3873) فإن "من أهم ما اشتمل عليه التنظيم متابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد المعتمدة، والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة، والتأكيد على حرمة المال العام ووجوب حمايته والمحافظة عليه، واحترام المرافق والممتلكات العامة، واقتراح الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ".

والسؤال المطروح في هذا المقام هو: ما هو المال العام؟ ما حدوده وما نطاقه؟ ما الأشياء التي ينطبق عليها وصف المال العام؟ وهل المال العام هو المال الحكومي؟ وهل يشمل المال العام الثروات الطبيعية في باطن الأرض وفي الشواطئ والبحار والصحاري؟ هل المواد الموجودة في الأرض مثل الحجر الجيري والطين اللذين يكثر استخدامهما في صناعة الأسمنت تندرج تحت مفهوم المال العام؟ وهل مناجم الفوسفات تنضوي تحت مظلة المال العام؟ وهل مكونات البيئة وأجزاؤها مشمولة بالحماية من الفساد والاحتكار والهدر؟ وهل الرسوم المتنوعة التي تستحصلها القطاعات الحكومية تندرج تحت مفهوم المال العام؟ بحيث يصبح وضع الأنظمة والقوانين الصارمة للمحافظة عليها جزءاً من مكافحة الفساد؟ الواقع أن مفهوم المال العام يُختزل في نظر الكثيرين بالأموال المخصصة للقطاعات الحكومية في الموازنة العامة للدولة، وبالممتلكات التابعة لهذه القطاعات، بمعنى أنه ينحصر في الأموال والأصول التابعة للأجهزة الحكومية، فهل الأمر كذلك؟ أعتقد أن من أبرز مهام وأولويات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تحديد مفهوم المال العام والسعي إلى إشاعته والتعريف به وتوضيح دلالاته، ليس عند موظفي الدولة فحسب وإنما بين كافة المواطنين والمقيمين، فاختصاصات الهيئة التي وافق عليها مجلس الوزراء تعطي المواطن دوراً هاماً في مكافحة الفساد، فالفقرة الثالثة في بيان المجلس تقول إن من مهام الهيئة: "توفير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأنها، وتحدد اللوائح التنفيذية لهذا التنظيم الآلية والضوابط اللازمة لذلك " ويعلق رئيس الهيئة محمد الشريف على هذه الجزئية قائلاً: " إن تنظيم الهيئة نص على إعداد قواعد لحماية النزاهة، تشتمل على آليات لمنح مكافآت تشجيعية مادية ومعنوية لموظفي الدولة وغيرهم، ممن يؤدي اجتهادهم إلى كشف حالات الفساد أو توفير مبالغ للخزنة العامة، وإن من شأن ذلك أن يشجع المواطنين والمقيمين على أن يكونوا شركاء مع الهيئة في مواجهة الفساد".

ولاشك أن التعامل مع المواطن بوصفه شريكاً في مكافحة الفساد يعكس رؤية متقدمة في طريق الإصلاح، فالمواطن هو حجر الزاوية في أي عملية إصلاحية جادة تستهدف محاربة الفساد والقضاء على الفاسدين، غير أن ذلك يحتاج إلى آلية تطبيق موضوعية وفاعلة يلمس المواطن أثرها وفاعليتها ونتيجتها بشكل سريع ومباشر، بحيث تكون حافزاً له على المزيد من المشاركة والتفاعل، وألا تكون مجرد إجراءات شكلية تضيع في دهاليز البيروقراطية ومتاهات الضياع.