"أحسست أن شيخ مؤرخي مكة المكرمة الأزرقي (رحمه الله) يطل علينا وبيننا وبينه قرون وقرون وكأن عمدة المؤرخين المكيين الفارسي يتمنى أن لو كان الليلة حتى ينظم هذه الأسماء المكرمة في عقده الثمين". على إيقاع هذه الكلمات استرجع وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة ملامح من مآثر مكة المكرمة وفضلها على كل من انتسب إلى هذه الأمة الإسلامية العظيمة مورداً ذكرياته وشوقه إلى حاراتها العتيقة وأهلها.

وقال الليلة قبل الماضية في حفل نادي مكة الأدبي لتكريم مؤرخي وجغرافيي مكة المكرمة المعاصرين على مسرح الإدارة العامة للتربية والتعليم للبنين: حين تلقيت دعوة النادي تذكرت ملامح من مآثر مكة وأنا ابنها يصعد بي الشوق إلى الأعالي.. إلى الذرى فأصوب وجهي تجاه منارات حرمها الآمن وإذا بي أرجع القهقرى عقودا من الزمان وأرى إلى جانب البيت العتيق صورة ما أحلاها من صورة وقد كنت أختلف إلى حلقات الدرس والتعليم في تلك الأروقة المباركة ونحيط وزملائي بشيوخ لنا فيكاد القلب يضطرب في مكانه ثم لا ألبث لحظة حتى أرفع الأكف إلى الله تبارك وتعالى أن يرحم ذلك النفر العظيم من علماء مكة المكرمة، فكم أعطوا وكم أنفقوا وكم ذابت مهجهم وهم يتجهون بأفئدتهم ووجوههم نحو البيت العتيق.

وأضاف خوجة قائلا: إنني أكاد أستعيد تلك اللحظات الطاهرة، وها إنني كلما جزت بشوارع مكة المكرمة وهبطت أوديتها أحس بتلك الكلمات النورانية وأتملى في خاطري رحلة الشوق إلى مرابعها وأحس بمفردات الكون تردد معي كل كلمات الحب لمكة والعشق لمكة. وأعذروني إن طوفت في الآفاق يمنة ويسرة، فأنتم شركائي في هذا الهوى المكي، وها إنني وأنا في رحاب هذه الليلة التي يكرم فيها نادي مكة المكرمة الأدبي كوكبة مباركة من مؤرخي مكة المكرمة وجغرافييها، أشعر بالهيبة وأنا في حضرتهم وليس من هيبة يتيه بها صاحبها كهيبة العلم والعلماء. وبين خوجة أن المؤرخين والجغرافيين المكرمين هم امتداد إبداعي للمدرسة التاريخية المكية التي استمرت طوال القرون الماضية ولم ينقطع وهجها حتى عصرنا الحاضر. موضحا أن التاريخ المكي في أسمائه الكبيرة يدين بالفضل للعالم الجليل الدكتور عبدالملك بن دهيش الذي أخرج أهم الكتب التاريخية المكية قديمها وحديثها في تحقيق بارع وجهد عظيم. والشيخ العلامة عاتق البلادي (رحمه الله) الذي ترك للمكتبة تراثا مكيا ثريا ولم يدع جانبا من جوانب أم القرى إلا أشبعه درسا وبحثا. وعالم الآثار الدكتور ناصر الحارثي (رحمه الله)، حيث من يطالع الموسوعات الضخمة التي وقفها على آثار مكة المكرمة ومعالمها وتاريخها يدرك جوانب جليلة من تاريخ هذه المدينة المباركة. وهاني فيروزي (رحمه الله) الذي كان بحق مؤرخا مكيا ذا سمت مختلف، فقد آثر أن يؤرخ لتراث مكة المكرمة الفني والاجتماعي. والشيخ العلامة الدكتور محمد الحبيب الهيلة، فمؤلفاته وتحقيقاته في التاريخ المكي معالم محترمة في منهج البحث والتدقيق ومثال ظاهر على صبر العلماء. والدكتور معراج نواب مرزا الذي أعاد إلينا تراث البلدانيين والجغرافيين في تراثنا العظيم، وكانت مؤلفاته في جغرافية مكة المكرمة علامات مهمة وبخاصة أنه ربط الجغرافيا بالأبعاد الحضرية والاجتماعية لهذه المدينة العريقة. فيما أكد رئيس أدبي مكة الدكتور سهيل قاضي أن النادي سعى من خلال هذه المناسبة إلى أداء بعض الوفاء والعرفان بالجميل لهذه الرموز، تكريما لشخوصهم وتنويها بعظيم ما قدموا من أعمال مجيدة.

عقب ذلك عقدت ندوة عن إنجازات وعطاءات المكرمين، شارك فيها الدكتور فواز الدهاس والدكتور عدنان محمد الحارثي وأدارها الدكتور محمد بن مريسي الحارثي.