طرق ترابية وأودية يقطعها المسافرون الأوائل للوصول إلى طائرتهم


أربعة وخمسون عاما، منذ بدأت أول وكالة للطيران في منطقة "عسير"، عملها في حمل المسافرين والبريد، الذي يتم جمعه من المواطنين لنقله إلى المناطق المختلفة، محمل في أول طائرة استخدمت في أبها. طائرة من نوع "برستول"، نقلت المسافرين الأوائل، وبريد "الحبايب"، واصلة قطع هذا الوطن ببعضها البعض.


التحليق الأول





وكالة الطيران الأولى هذه، توارثها وتعاقب عليها أفراد أسرة واحدة، عملوا في مجال الطيران والنقل الجوي، جيلا بعد جيل. الدكتور محمد بن عبد الله آل مسفر، الحاصل على الدكتوراه في مجال إدارة صيانة الطائرات، من الولايات المتحدة الأمريكية، واحد من أفراد تلك الأسرة، التي سرقتها السماء نحوها، يتحدث إلى "الوطن"، عن بدايات الطيران في عسير، قائلا "بدأ الطيران في منطقة عسير في عام 1373هـ، كرحلات في المدرسة العسكرية، بفرع وزارة الدفاع في المنطقة، عن طريق شخص يدعى أبو قحاص. وفي عام 1377هـ، بدأ الطيران في عسير بشكل رسمي وذلك بواسطة طائرات البرستول، بعد تحديد مطار أبها المدني، في الساحة الواقعة بين منطقة شرف شهران"، مضيفا "كان هنالك مهبط وحيد ترابي، يقع قرب مدينة خميس مشيط، ووادي تندحة. وفي عام 1379هـ بدأت الرحلات بطائرات الداكوتا، وسكاي ماستر، ثم الكونفير. وفي عام 1382هـ أنشئ مدرج هبوط بالإسفلت، والذي يعتبر الآن ضمن مهابط ومدارج قاعدة الملك خالد الجوية حاليا".


مشوار السفر


ولكن، كيف بدأت قصة عائلته مع الطيران؟، يجيب الدكتور آل مسفر، بقوله "أسندت وكالة الخطوط الجوية العربية السعودية إلى أخي علي رحمه الله، بمدينة أبها. ويعتبر أول وكيل بمنطقة عسير، في إصدار تذاكر السفر، وترحيل المسافرين من دكانه في سوق مدينة أبها، بمعدل رحلة واحدة، أو رحلتين في الأسبوع، حيث يكون تجمع المسافرين أمام دكانه بعد صلاة الفجر مباشرة، وعند اكتمال المسافرين، وإحضار مندوب البريد الرسمي، التابع للدوائر الحكومية، والمدرسة العسكرية بأبها، يتم التحرك بسيارة من نوع (شفروليه) بالمسافرين إلى المطار، ويكون خط السير من أبها في خط ترابي غير معبد، مع المنسك، وقرية جوحان، وقرى بن نعمان، وآل فلت، مارا بلعصان، قاطعين عددا من الأودية، حتى يصلوا مدينة خميس مشيط، وتأخذ هذه الرحلة من الوقت نحو ثلاث ساعات، حتى يتم التوقف لدى مندوب البريد آنذاك، الأخ هليل بن عشق، بجوار الجامع الكبير، لأخذ بعض المسافرين والبريد، ومن ثم التوجه إلى المطار، والانتظار حتى وصول الطائرة المجدولة في الرحلة". موضحا أنه "عندما يتم الانتهاء من ترحيل المسافرين، يتم العودة والرجوع بالقادمين بالسيارة على نفس خط السير، مرورا بمدينة خميس مشيط، حتى الوصول إلى مدينة أبها، نقطة الانطلاق في مساء اليوم نفسه، بسبب وعورة الطريق غير المعبدة". مبينا أنه "في حالة الأمطار والسيول، لا يمكن الوصول بسهولة في الوقت المحدد".


طيران متوارث


"مسؤولية الطيران والوكالة، استمرت مع العائلة حتى توفي أخي علي، في عام 1380هـ، فتولى الوكالة والده عبد الله بن علي، وقام بنفس العمل، حتى تم فتح مكتب رسمي للخطوط السعودية في مدينة أبها سنة 1383هـ"، يقول الدكتور محمد آل مسفر، مضيفا "انتهى عقد الوكالة التي التزم بها والدي وأخي رحمهما، الله بسبب كبر السن، ورغبة التفرغ للأعمال الخاصة". وبذلك تطوى صفحة من تاريخ "الطيران القديم"، صفحة ما تزال ذكرياتها مرسومة لدى المسافرين الأوائل.