عندما وصلت أنباء مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية إلى كابول، استقبلها المسؤولون هناك بترحيب حذر. الخوف من انتقام تنظيم القاعدة أو حركة طالبان جعل العاصمة الأفغانية كابول ومدنا أخرى ترفع حالة الطوارئ إلى أعلى مستوى. وفيما احتفلت الولايات المتحدة كلها، وكذلك جميع الدول التي استهدفتها القاعدة بهجماتها الإرهابية، بمقتل رئيس التنظيم، فإن من المفارقات ألا يتمكن الشعب في أفغانستان، وهي أكثر دولة عانت من تنظيم القاعدة، من التعبير عن مشاعرهم واكتفوا بالالتصاق بشاشات التلفزيون لمشاهدة تطور الأحداث وتبادل رسائل الجوال للتهنئة بمقتل بن لادن والتساؤل فيما إذا كانت أفغانستان أخيرا، بعد 10 سنوات من الحرب التي تسببت بها القاعدة وطالبان، أن تنعم بالسلام والاستقرار.
قبل مقتل بن لادن بيومين، قال لي مسؤول أفغاني رفيع رفض الكشف عن هويته إن المسؤولين الأمريكيين طلبوا من الرئيس الأفغاني كرزاي رفع درجة الطوارئ في أفغانستان لأن هناك احتمال حدوث أعمال إرهابية واسعة خلال اليومين التاليين. وأضاف المسؤول الأفغاني الرفيع قائلا "طلب المسؤولون الأمريكيون من الرئيس كرزاي أن يصدر أوامر بإغلاق المدارس والمباني الحكومية لأن لديهم معلومات مؤكدة من مصادر موثوقة بأن أعمالا إرهابية كبيرة قد تحدث في أفغانستان". لكن الرئيس كرزاي على ما يبدو رفض قبول نصيحة الأمريكيين لأن ذلك في رأيه كان سيسبب الاضطراب لدى الشعب الأفغاني ويقود إلى حالة تشبه منع التجوال في عموم أفغانستان.
وفي الوقت الذي رفع فيه الرئيس الأفغاني مستوى الإجراءات الأمنية حول المباني الحكومية ومساكن المسؤولين، إلا أنه لم يعلن عن المعلومات التي وصلته حتى يحافظ على هدوء السكان. وبعد الإعلان عن مقتل بن لادن مع ثلاثة من رفاقه في عملية أمريكية قرب العاصمة الباكستانية، ليس هناك شك بأن الطلب الأمريكي بإغلاق المناطق التي فيها كثافة سكانية كان له علاقة بالعملية الأمريكية لقتل بن لادن في باكستان.
وبحسب نفس المصدر الرسمي في الحكومة الأفغانية فإن الحكومة الأمريكية كانت تفكر في ردة فعل أعضاء تنظيم القاعدة الانتقامية عندما أصدروا تحذيرهم للرئيس الأفغاني. الرئيس الأفغاني كرزاي كان يحضر مؤتمرا في كابول يوم الاثنين عندما أعلن عن مقتل بن لادن، فاكتفى بتهنئة الشعب الأفغاني ووجه الشكر للأمريكيين على تنفيذ العملية. لكنه استغل الفرصة أيضا ليطرح تساؤلات حول العمليات الكثيرة التي نفذها الجيش الأمريكي في مدن وقرى صغيرة في أفغانستان وسقط نتيجتها عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء، في الوقت الذي كانت فيه عملية قتل بن لادن دقيقة ومحددة رغم حساسيتها وأهميتها وخطورتها. وفي جميع الأحوال، فقد عم الفرح مدينة أخرى في أفغانستان، وهي مدينة القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود الذي قتله أحد عناصر تنظيم القاعدة، وكان متخفيا بهوية صحفي، قبل أيام من تنفيذ هجمات 11 سبتمبر. أحمد شاه مسعود كان يلقب بأسد بانجشير بسبب قتاله تنظيم طالبان وبراعته في القيادة، واليوم يحتفل أنصاره بشكل كبير بمقتل بن لادن لأنهم يعتبرون موت مسعود خسارة كبيرة لا تعوض لأفغانستان.
أنباء مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تنتشر ببطء وعمق في أفغانستان. الناس ليسوا متأكدين فيما إذا كان موته سيضع حدا لجميع المشاكل التي يعانون منها. عندما تحدثت إلى أشخاص عاديين في شوارع كابول وسألتهم عن مقتل بن لادن، رفض كثير منهم التعليق على ذلك بسبب خوفهم من انتقام أتباعه وأنصاره الذين قد يتصادف وجودهم بالقرب منهم في الشارع، أو في حال نشرت صورهم في الصحف وتعرف إليهم أنصار بن لادن.
لكن السؤال يبقى: هل انتهت أيام أفغانستان السوداء مع مقتل بن لادن؟ هذا ما ستكشفه الأيام.