ألزمت صغيري الذي يدرس في الخارج بأن يبعث لي كل يوم رسالة يشرح لي فيها يومه، شريطة أن تكون باللغة العربية، حتى لا ينقطع عن لغته الأم.

قال لي من يومين: إنه حضر فيلما في السينما اسمه (ثور)! اثنى على الفيلم ثناء عاطراً فطلبت منه أن يكتب لي اسمه بالإنجليزي، فأكد لي على أنه (ثور)، حتى بالأحرف الإنجليزية! فأصابتني الحيرة مرة وثنتين وثلاثاً، فهل المصادفة وحدها هي التي جعلت الفيلم الذي يتصدر شباك التذاكر في شمال أميركا، طبقاً لأخبار هذا الأسبوع محققاً مئات الملايين من الإيرادات، يتحدث عن الثور؟! وما علاقة ذلك بالثورة، تلك التي أوشكنا ننساها في العالم العربي، حتى حل العام 2011، وأصبح شعاره (مش حتقدر تغمض عينيك)، فالثورة تتبعها الثورة، والقمع يتبع القمع، والدماء تسيل، وأناس يبحثون عن الحرية، وآخرون يقمعون من يتمرد على قبول الاستبداد!

باتت أغاني الأطفال: زنقة زنقة، وأصبح الصغار في المدارس إذا غضب فريق على آخر، يقول: شدوا الجرذان من آذانهم!

مع كل مظاهر الكرامة التي جاءت بها الثورات العربية، إلا أنها جاءت أيضاً بالكثير من المتسلقين، وأظهرت لنا من يشبهون الحمام القطيفي، وهو نوع من الحمام يمتاز بالقدرة على الشقلبة الهوائية عدة مرات.

المتسلقون على الثورات باتوا كثراً، بل بات اختطاف إنجازات الثوار سمة يتقنها البعض، وصار بإمكاننا أن نستخدم بيت الأمير خالد الفيصل الشهير، مع الاعتذار عن تحويره ليكون يا عام 2011 وش بقى ما ظهر؟!

قال لي الصديق الدكتور يوسف الصمعان قبل أيام، بأنه نصح أطفاله، إذا جاءهم سؤال في مناهجهم: متى وقع حدث كذا وكذا؟ ولم يعرفوا الجواب، فعليهم ألا يترددوا في الإجابة بأن ذلك الحدث وقع في 2011!

ربع العام حفل بسقوط حاكمين عربيين، واندلاع ثلاث أو أربع ثورات، وسيلان دماء شعوب عربية، فرحت عندما كانت تظن أنها مصابة بالصمم، ثم اكتشفت فجأة أنها قادرة على تهجي الكلمات!

مشاهد سوريالية، تتحول كوميدية أحياناً، وتراجيدية أحياناً، وليس لنا إلا القول: يا الله الخيرة!.