أزعم أنني أستطيع أن أكون وزيرا مثاليا. ولهذا قررت اليوم أن أتسلل إلى مكتب معالي وزير التعليم العالي وأقوم بكامل صلاحياتي التي سوف أبدؤها بقرار من مجلس التعليم العالي لتحديد الهدف الرئيس والاستراتيجي للتعليم العالي والمرتبط بالسياسة العليا للدولة. وسوف أسأل نفسي ماذا تريد الدولة من التعليم العالي؟ هل تريد أن تربط التعليم العالي بالصناعة وتتحول إلى مجتمع صناعي؟ أم تريد أن تركز على البحث العلمي وتصبح منتجة للعلم والمعرفة؟ أم تريد أن تتحول إلى قوة اقتصادية وتجارية؟ أم ترغب في أن تكون دولة زراعية؟ أو لديها طموح بأن تكون دولة منتجة للتقنية؟..إلخ وبعد تحديد الهدف الوطني الاستراتيجي يتم تطويع التعليم العالي لخدمة الهدف الأعلى للدولة.
يلي ذلك وضع استراتيجية مفصلة لكل علم وتخصص وقسم وكلية ومركز ومكتبة وجامعة على طول الوطن وعرضه. بعدها تتم مخاطبة جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بأن تتحمل مسؤولياتها وتزود الوزارة بجميع احتياجاتها من الكوادر البشرية في السنوات العشر القادمة في جميع التخصصات بحيث يتم في ضوئها التخطيط الاستراتيجى لتوفير الاحتياجات وللترشيد وعدم هدر الموارد البشرية والمالية والمادية ووقت المواطن والوطن. وأقوم بإصدار تقرير وطني سنوي عن التعليم العالي في المملكة أوضح فيه للجميع أين تكمن مواطن القوة ومواطن الضعف؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ بدلا من "الشنق هاي والوب ماتركس" التجارية كما وصفها الخبراء الذين تحدثوا في المعرض الدولي للتعليم العالي في الأسابيع الماضية، والذين حلوا لنا لغز التقارير وسموها باسمها التقارير التجارية المدفوعة الثمن وفي عقر وزارة التعليم العالي، وللأسف لم أر من مديري الجامعات في هذه الندوة إلا مدير جامعة الملك فهد الذي عقب على هذا الموضوع.
سوف أستهل عملي بزيارات ميدانية مكثفة لألتقي فيها بالطلاب والطالبات والأساتذة والإداريين في الجامعات لأستمع إلى متطلباتهم وهواجسهم والمشكلات التي تواجههم وأطلب منهم أن يكتبوا وبدون خوف أو خجل كل ما لديهم من مشكلات ومن تحديات في القاعات الدارسية (وخاصة كيفية التدريس والاختبارات) والمعامل والمراكز المتخصصة والنقل والتغذية والأنشطة والخدمات المساندة المختلفة.
سوف أصدر قرارا أطالب فيه كل مدير جامعة أن يصدر تقريرا مفصلا تضع موضوعاته مجموعة من الخبراء المختصين في القياس والتقويم، ويحتوي على كل شيء في الجامعة بما في ذلك آليات للثواب والعقاب. وسوف أعرض التقرير على الجميع لمناقشته بهدف تطوير العملية التعليمية، وأطالب جميع العاملين في التعليم العالي بتقديم ما لديهم من مبادرات واقتراحات لتطوير التعليم العالي وعرضها على لجنة من المختصين للاستفادة منها في تطوير العمل والارتقاء بمستوى مخرجات العملية التعليمية.
سوف أشدد على تحليل جميع المعارف والمهارات والمعلومات والمتطلبات التي يجب أن يعرفها الطالب والطالبة في كل مقرر دراسي وبدقة متناهية بحث يمكن قياسها وتحليل نتائجها وفق معايير دقيقة وحازمة يحصل بموجبها الطالب والطالبة على ما يستحقان من المعرفة والتدريب والتأهيل.
سوف أقوم بوضع تقييم للإدارة وللأساتذة بشكل دقيق وأقيده بعقوبات لكل من يتدنى مستواه عن درجة معينة. وسوف أحول الجامعات إلى ورش عمل في كل التخصصات ضمن خطة شاملة للنهوض بالتخصصات العلمية بحيث يتم التكامل والربط بين جميع المتخصصين في جميع التخصصات والأقسام والكليات في الجامعات السعودية، وأطالبهم بتطوير تخصصاتهم وتأصيل معارفها وتحديثها، على أن تكون لكل تخصص مجلات علمية ومؤتمر سنوي وخطة تشرف عليها لجان مختصة ويتم بموجبها إنتاج أكبر عدد ممكن من البحوث والدراسات في كل تخصص سنويا لدعم التطور المعرفي والمهني لأعضاء هيئة التدريس وبما ينعكس إيجابا على الطلاب والطالبات. ولن أتردد في وضع خطة لربط المجتمع بالجامعة من خلال الكثير من البرامج. وسوف أجعل الطلاب والطالبات والأساتذة شغلي الشاغل ولن أدخر ريالا واحدا بل سوف أكثف تدريبهم وتأهيلهم وتنمية مهاراتهم ورفع معنوياتهم وتحويلهم إلى فريق عمل متكامل كل في مجال عمله من خلال نظام إداري دقيق وصارم يعطي كل ذي حق حقه.
سوف أسعى إلى التنويع في الوزارة حتى لا تأخذ اللون الواحد الذي يشعر البعض بالغربة عند دخولها. وسوف ألغي وزارات الإعلام في الجامعات وأحولها إلى إعلام تعليمي حقيقي يعرض المشكلات والحلول ويقدم الإنجازات والأبحاث المعنية بتطوير التخصصات المختلفة ويربط المؤسسات الأكاديمية ببعضها. وسوف أصدر صحيفة أسبوعية على مستوى الوطن متخصصة في التعليم العالي تنشر مقالات تنقد وتقيم وتطور التعليم العالي وتعمل على نشر آخر المخترعات والأبحاث والدراسات والنظريات والمعارف في جميع التخصصات. ولن أسمح لأي مدير جامعة أن يستغل الإعلام للترويج لأنشطة تشبه أنشطة المدارس الابتدائية. بل سأكون بالمرصاد لكل من يعبث بعقول الأساتذة والطلاب والمجتمع الذين يعرفون أكثر مما يتصور البعض ممن يقوم بإعلانات تجارية عن إنجازات شكلية. وسوف أدعو الإعلام لتسليط الضوء على جميع المشكلات التي يعاني منها جميع العاملين في مؤسسات التعليم العالي وخاصة الطلاب والطالبات والأساتذة والإدارة والمنشآت. وأخيرا سوف أعقد مؤتمرا سنويا يخصص للبحث في تطوير التعليم العالي ومناقشة كافة القضايا والتحديات. وبعد هذا سوف أصدر قرارا تاريخيا بالتدريس في جميع التخصصات باللغة العربية، ولكن بعد أن أضع استراتيجية شاملة ومدعومة بميزانيات كافية للترجمة في جميع التخصصات بحيث تتم ترجمة كل ما تحتاجه التخصصات في الأقسام بشكل سريع ضمن آلية وخطة وطنية للترجمة. وسوف أشدد على اللغة العربية لأنها رمز للسيادة والهوية، وهذا لا يعني أن أتجاهل تعليم اللغات العاليمة الآخرى. وأخيرا سوف ألغي جميع المعاهد والكليات الخاصة التي ضيعت أولادنا وبناتنا بل سرقت أوقاتهم وأموالهم. ولن أسمح بتسرب أي طالب أو طالبة من الجامعة وسأضع برامج تسمح لكل طالب بالحصول على شهادة معترف بها من وزارة الخدمة المدنية ومن الجهات ذات العلاقة بتخصصاتهم.