حوار قديم حديث وآراء مختلفة بين المحافظين والملتزمين وبين المنفتحين والمطالبين بالحرية الشخصية بصرف النظر عن أثر هذه الحريات على حقوق الآخرين، أو حماية المجتمع، فقضية التدخين بأنواعه

قضية قديمة بدأت منذ إنشاء الدولة السعودية حيث كان المتشددون يحرمون التدخين ثم تطور الحال إلى الوضع الذي نعيشه اليوم في المملكة حيث تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة عالمياً لعدد السكان على عدد المدخنين، ووصل عدد المدخنين إلى ستة ملايين مواطن ومقيم يمارسون التدخين في المملكة. 45% من الرجال فوق خمسة عشر عاماً يدخنون و35% من المدخنات يبدؤون التدخين في المرحلة الثانوية وحوالي 20% من الأطباء يدخنون وهناك 23 ألفا يموتون سنوياً بسبب التدخين، وجميع المدمنين في معاهد الأمل بدؤوا بالتدخين ويستخدم حوالي 99 طن دخان يومياً في المملكة وينفق عليها حوالي 33 مليون ريال وينفق على التدخين سنوياً حوالي 12 مليار ريال سعودي في سوق المملكة. ويقال إن كمية النيكوتين الموجود في السجائر تكفي لإفناء الجنس البشري ويبلغ عدد المدخنين في العالم حوالي 2 مليار إنسان، وقد توفي بسبب الدخان مئة مليون في القرن الماضي ويتوقع موت ألف مليون في هذا القرن بنفس السبب.

إن تحول الرأي تجاه التدخين من التحريم إلى التحذير من الأضرار الصحية وهي أضرار كارثية على المدخنين في جميع أنحاء العالم هي قضية نشترك جميعاً فيها ولكننا نختلف في طريقة وأسلوب معالجة هذه الأضرار الصحية ففي الوقت الذي تضع فيه الدول المتقدمة سياسة المعالجة عن طريق الوقاية من التدخين والتوعية الصحية بأضرار التدخين على المجتمع واستخدام برامج تثقيفية لجميع فئات المجتمع ابتداء من الطلبة في المدارس الابتدائية إلى الطلبة في الجامعات ثم إلى بقية أفراد المجتمع شباب بأنواعهم وشيوخ وأصحاء ومرضى. وذلك من خلال خطط وأبحاث ودراسات وبرامج ضخمة ورغم ضخامتها وجودتها إلا أنها لم تستطع أن توقف المدخنين عن التدخين وقد تكون استطاعت تخفيض نسبهم أما الدول النامية ونحن في المملكة إحدى هذه الدول لم ننجح في اختيار سياسة متميزة في معالجة قضية التدخين ورغم أن مجلس الشورى قد رفع توصيته قبل عشر سنوات بوضع استراتيجية لمكافحة التدخين إلا أن الاستراتيجية لم تعتمد وأعيدت بعد عشر سنوات من رفعها إلى مجلس الشورى لإعادة دراسة بعض الملاحظات عليها، ويقال إن هناك توجها لرفع جمارك الدخان إلى نسبة 400% وهو توجه وإن كان القصد منه الحد من التدخين وتوقف المدخنين عن التدخين إلا أنه وللأسف سياسة لم تنجح ولم تحقق النتائج المرجوة وكان أكبر المستفيدين هو إيرادات الدولة لأن التجار المستوردين للدخان يضيفون أي زيادة في الجمارك على المدخنين المدمنين وبالتالي يكون الأثر السلبي على اقتصاديات الفرد.

ويستمر المدخنون في شراء الدخان مهما كلفتهم القيمة وذلك لمعالجة إدمانهم وتزداد نسب المدخنين وأرقام وإحصائيات استيراد الدخان في تزايد وليست في تناقص بل تزايد أعداد المدخنين للمكيفات الأخرى التي يُصنع بعضها في السعودية ورغم قرارات منع التدخين في المطارات وفي مواقع العمل والأماكن العامة إلا أن ضبط تنفيذ هذه القرارات غير مجد.

وفي وجهة نظري الشخصية أن سياسة رفع نسبة الجمارك على الدخان لن تكون لها فائدة، ولذا أقترح إنشاء هيئة متخصصة لمكافحة التدخين تُمول ميزانيتها من جمارك التدخين أو من الزيادة في جمارك الدخان، تكون لها مهمتان رئيسيتان: الأولى؛ تثقيفية وذلك من خلال وضع برامج وخطط مدعومة بدراسات وأبحاث عن الحالات المرضية القاتلة وعلى وجه الخصوص مرضى القلب وسرطان الرئة وتشوهات الجنين وغيرها وذلك ضمن برنامج إعلامي مستمر ومتطور يستقطب له المتخصصون من رجال الإعلام والإعلان والمتخصصون من أطباء وباحثين.

أما المهمة الثانية لهيئة مكافحة التدخين؛ فهي إعداد أبحاث ودراسات لمعالجة الأمراض الناتجة عن التدخين وتمويل الأبحاث والدراسات في نفس المجال في الجامعات السعودية في الكليات والأقسام المتخصصة وتخصيص صندوق لدعم تكلفة معالجة بعض مرضى سرطان الرئة وأمراض القلب الذين لا يجدون القدرة على تكلفة العلاج.

إن حرص الدولة والقائمين على وزارة الصحة على وضع برامج لمكافحة التدخين لا يقابله وللأسف حرص مماثل من تجار الدخان في المملكة وهم أكبر المستفيدين من تجارة تسبب أضرارا للمجتمع وإن كان نموذج شركة البابطين في الرياض التي توجه جزءا كبيرا من الأرباح لخدمات المسؤولية الاجتماعية في المجال الصحي والطبي يعتبر نموذجاً متميزاً أتمنى أن يقتدي به جميع تجار الدخان بأنواعه وذلك بتخصيص نسبة من أرباحهم تحول إلى الهيئة المقترحة لمكافحة التدخين أو تخصيصها لمستشفيات التخصصي للأبحاث أو تحمل جزء من تكلفة معالجة المرضى الذين يعانون من أسباب التدخين في المستشفيات الخاصة والعامة.

إن أضرار التدخين في المجتمع أصبحت قضية وإن إلحاق الضرر بأفراد المجتمع أمرٌ لا يرضى به الله ولا عباده.

وهي قضية أضعها أمام تجار الدخان وأطلب منهم الدعم المباشر والتعاون مع وزارة الصحة للمساهمة في معالجة هذه القضية.