الأجواء الرمضانية لها سماتها المميزة ورونقها الخاص في البلاد الإسلامية، إلا أنه بفضل الله عز وجل ثم بجهود القائمين على المساجد والمراكز الإسلامية في فرنسا والغرب عموما استطاع المسلمون هناك تأمين كل ما يخولهم استشعار النفحات الرمضانية بين أفراد الجالية المسلمة سواء كان ذلك من الناحية التعبدية أو العائلية والاجتماعية وحتى مع غير المسلمين، بهذه الكلمات ابتدأ مسؤول قسم الدعوة في المركز الإسلامي بمدينة كلرمون فران الأستاذ الدكتور حسن يونس حديثه لـ"الوطن" عن أحوال مسلمي فرنسا خصوصا في الشهر الفضيل.

المسلمون في فرنسا

في البداية يقول الدكتور حسن إنه على الرغم من تراوح عدد المسلمين في فرنسا بين الخمسة و السبعة ملايين، وعدد المساجد أكثر من 2000 مسجد إلا أنه لم يكن للمسلمين هناك أي تمثيل رسمي، وتم إنشاء المجلس الفرنسي للدين الإسلامي عام 2003م تحت إشراف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والذي كان آنذاك وزيرا للداخلية، بالرغم من وجود العديد من الجمعيات الإسلامية العاملة هناك والتي كانت تتمتع بسمعة جيدة في أوساط المسلمين الذين يتألفون من عرقيات متعددة معظمهم من المغرب العربي 35% من أصل جزائري و25% من المغرب و10% من تونس، يليهم المسلمون من أصل تركي و أفريقي، ومن المشرق العربي وشرق آسيا، ومن بلاد متعددة أخرى، زيادة على المسلمين الجدد من أصول فرنسية والذين يقارب عددهم حسب بعض الإحصائيات 70000 ،علما أنه يدخل الإسلام سنويا أكثر من 3600 فرنسي (ما يعادل 10 فرنسيين في اليوم) .

ويضيف شارحا : إن المجلس يتكون من معظم المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة الفرنسية، ومن أهم نشاطاته الإشراف على بناء المساجد، تأمين الأطعمة الحلال، إعداد الأئمة والعمل على توحيد بداية ونهاية الصيام في شهر رمضان المبارك. وفي الواقع فإن أفضل أمر نجح فيه هذا المجلس هو توحيد بدء الصيام وبدء أول أيام عيد الفطر، وقد كان هذا الأمر من العوائق الكبيرة التي كان يعاني منها المسلمون في فرنسا، إذ إنه كان من السهل أن تجد للأسف يومين أو أكثر لبداية الصوم في المدينة الواحدة وحتى في المسجد الواحد. وكذلك الشأن بالنسبة للأعياد، ويرجع هذا الاختلاف إلى اتباع بعض المسلمين لبلادهم الأصلية في بدء صومهم وأعيادهم. أما بالنسبة للمشاريع الأخرى، فإن تقدم عمل المجلس فيها يتفاوت من مدينة لأخرى.


الجمعيات الإسلامية

وعن الأنشطة التي تقدمها المساجد والمراكز الإسلامية في فرنسا كشف الدكتور حسن يونس عن قيام تلك الأنشطة على مدار العام على اختلافها وتنوعها من مسجد لآخر كتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، و تحفيظ القرآن الكريم مع إتقان قواعد التلاوة، وتدريس العلوم الإسلامية من خلال دروس ومواعظ يومية ومحاضرات أسبوعية ودورات مختصة في مواضيع يحتاجها المسلم في دينه ودنياه، مع التركيز على المحافظة على المبادئ والأخلاقيات الإسلامية دون انغلاق، والاندماج الإيجابي بالحث على احترام القوانين والمشاركة الفعالة في المجتمع الفرنسي دون ذوبان، و تنظيم لقاءات للتعريف بالإسلام ومبادئه القيمة لغير المسلمين. وكذلك عقد لقاءات دورية للحوار بين الأديان يحضرها ممثلون عن المسلمين والنصارى واليهود... إلى غير ذلك من النشاطات المتفرقة الأخرى التربوية والاجتماعية والترفيهية.

وأشار إلى أنه من أهم النشاطات المشهورة على صعيد فرنسا وأوروبا المؤتمر السنوي لمسلمي فرنسا الذي ينظمه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا منذ أكثر من ربع قرن والذي يحضره علماء ودعاة أفاضل من العالمين العربي والإسلامي وأكثر من 150000 مشارك، كما أنه يتم عقد مؤتمرات في مناطق عدة في فرنسا لتعميم الفائدة على أكبر عدد ممكن من المسلمين.

أما فيما يتعلق بشهر رمضان المبارك فتبرز نشاطات أخرى متنوعة أهمها : مشروع إفطار الصائم بتقديم وجبة يومية للإفطار في داخل المسجد وخارجه، حيث يتم توزيع الوجبات على الطلاب المسلمين في المساكن الجامعية وعلى المحتاجين من الأفراد والعائلات المسلمة، كما أن بعض الجمعيات تسعى بالتعاون مع إدارة السجون إلى إرسال وجبات الإفطار يوميا إلى المساجين المسلمين، وكذا هو الحال في العيدين، وقد يصل عدد الوجبات اليومية الموزعة في المسجد الواحد إلى أكثر من 400 وجبة كما هو الحال مثلا في مسجد السلام الواقع في مدينة كلرمون فران في وسط فرنسا، كما يتم تنظيم إفطار جماعي للعائلات المسلمة في عطلة نهاية كل أسبوع من شهر رمضان كي يتسنى لها أن تعيش جوا إيمانيا رمضانيا عامرا بالأخوة والتضامن بين أبناء المسلمين في المدينة الواحدة بغض النظر عن أصولهم وعاداتهم ولغاتهم.

ويتابع إمام وخطيب مسجد السلام بمدينة كلرمون قائلا: يتميز شهر رمضان المبارك أيضا بدعوة العائلات المسلمة بعضها لبعض لتناول الإفطار معا، وقد تجد حول مائدة واحدة ما يقارب العشر جنسيات مما يرمز إلى عالمية الإسلام. وحري بنا أن نذكر أيضا ما تقوم به بعض الجمعيات الإسلامية من توزيع الحساء على المحتاجين عامة من مسلمين وغير مسلمين في ساحة مركز المدينة كما هو الحال في مدينة سترابورج وغيرها، بالإضافة إلى الدورات القرآنية المكثفة في بعض المساجد والتي يقوم بها الأئمة والمقرئون الذين يأتون خصيصا من الدول العربية والإسلامية لإمامة المسلمين بصلاة التراويح. والجميل أن نذكر هنا أن صلاة التراويح يحضرها الصغير والكبير والإخوة والأخوات وخاصة جيل الشباب بالرغم من تأخر وقت صلاة العشاء كما هو الحال في أوروبا عموما. وصلاة التراويح تعد فرصة لدعوة من ضل من المسلمين، ودعوة غير المسلمين ممن يرغب بالتعرف على مظاهر الإسلام في رمضان. وبفضل من الله عزوجل يكثر في شهر الرحمات توبة الكثير من المسلمين واعتناق الفرنسيين للإسلام. ومن المتعارف عليه أن يتم إحياء ليلة السابع والعشرين مع حضور كثيف للمصلين يفوق طاقة استيعاب المساجد مما يضطرهم للصلاة في الساحات بالقرب منها، كما يحضر المصلون معهم الطعام والشراب لتناوله جماعة مع إخوانهم المصلين... ويتم أيضا ختم القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة من رمضان، أما زكاة الفطر فإنها تجمع من المصلين في المساجد وتوزع على مستحقيها من ذوي الحاجات من مساكين وطلاب وأرامل. وفيما يتعلق بيوم العيد يقول الداعية حسن يونس إن القائمين على المراكز والمساجد في معظم المدن يسعون لأداء صلاة العيد في مصلى واحد، حيث يصل عدد المصلين في بعض المدن إلى 10000 مصل، ويتبع الصلاة تبادل التهاني مع من عرفت ومن لا تعرف ثم توزع حلوى العيد في جو من البهجة والسرور، وينظم في أغلب المراكز احتفال بالعيد خاص بالأطفال.

عوائق وتحديات

برغم هذه النشاطات الكبيرة والمتعددة التي يؤديها أبناء الجالية المسلمة في فرنسا إلا أن هناك عددا من العوائق والتحديات تقف حائلا دون تحقيق ما يتطلعون إليه، تقسم بحسب رأي الدكتور حسن يونس إلى خارجية وداخلية فتتمثل التحديات الخارجية في النظرة السيئة للإسلام وللمسلمين من بعض أقطاب المجتمع أو من بعض وسائل الإعلام، أما العوائق الداخلية فمنها ما هو مادي حيث إن الجالية المسلمة في فرنسا تعتبر ضعيفة الحال من الناحية المادية كون أكثر أبنائها من الطبقة العمالية ذوي الدخل المحدود. ومنها ما هو اجتماعي سببه الفوارق في العادات بين أبناء الجالية المسلمة ذات الأصول المتعددة مما يدفع البعض إلى التعصب لبلده الأصل، بل وإلى مدينته أو حيّه الذي أتى منه...أو سببه الفوارق بين الجيل الأول الذي جاء من البلاد الإسلامية والأجيال الشابة التي ولدت وكبرت في فرنسا. ومنها ما هو ديني بسبب تعدد الآراء الفقهية مما قد يؤدي إلى شيء من الاختلاف في بعض المساجد ويرجع ذلك أحيانا إلى افتقادها للأئمة ذوي التخصص الشرعي.

ويختتم حديثه بالقول: يبقى أن نذكر أن هذه النشاطات وغيرها يسهر على تنظيمها إخوة وأخوات متطوعون نذروا أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين وخدمة مجتمعهم الذي يعيشون فيه، نسأل الله أن يتقبل منهم وأن يجعل ذلك صدقة جارية لهم يلقونها في ميزان حسناتهم يوم الدين.