من أهم المبادئ الكبرى التي جاء بها الإسلام مبدأُ العدل وإعطاء كل ذي حق حقه. ولا شك أن من أهم الواجبات التي تجب على الجميع الحرص على حفظ وصيانة الحقوق، خاصة إذا كان ذلك يتعلق بالضعفاء الذين لا يجدون إلى حقهم سبيلا!

عندما نتحدث عن ضياع حقوق النساء في الميراث بالخصوص فإن الحديث يأخذنا إلى الكثير من القصص المأساوية في المجتمع، ويوجد عددٌ من النساء الأرامل أو ذوات الحاجات اللاتي يعشن في ضائقة مادية شديدة بينما يعيش أخو إحداهن أو عمها في رغد وترف بمالها الذي ورثته! ومع تكرر واستمرار هذه المسألة إلا أننا لم نسمع عن حلول نظامية أو حتى إجرائية فاعلة من قبل الجهات القضائية ووزارة العدل.

المشكلة بلا شك مركبة وبها تراكمات مختلفة، وتزداد هذه الظاهرة في البوادي والقرى والمدن الصغيرة، حيث توجد بعض العادات القبلية التي لم تُحارب بشكل جدّي، كما أن وضع الكثير من الأسر التي تضعف -ربما- فيها المرأة عن المطالبة بحقها، بالإضافة إلى بعض العادات التي تُعطي المرأة من الإرث المال النقدي فقط وتستثني العقارات -تتشابه في ذلك مع مذهب الإمامية الفقهي-، وبعض هذه العادات يجعل من العيب على المرأة أن تطالب بأيٍ من حقوقها في الإرث. هذه الأمور بلا شك بالإمكان معالجتها والتعاطي معها في حال تم إصدار نظام قوي وفعّال لحماية المرأة وحفظ حقوقها من الإرث. وهو من ضمن سلسلة أنظمة مقترحة، تمت الإشارة إليها تباعاً في مقالاتٍ سابقة، من الضروري أن تصدر في نظري.

أعلم يقينا أن المسؤولين في تلك الجهات يسعون جاهدين لمنع حدوث مثل هذه الأمور، وأن الكثير من المشايخ القضاة وكتاب العدل يجتهدون في التأكد من عدم حدوث ذلك، إلا أنه طالما تُرك الأمر إلى الاجتهادات الشخصية ولم يكن بشكل إصدار نظام، فإن المشكلة ستبقى موجودة.

نجد مثلا أن آلية تعريف النساء لدى الجهات العدلية ما زالت كما هي قبل الحضارة، فهي تكون بمجرد إحضار معرّفين، كثيرا ما يكون أولئك ممن لا يعرفون المرأة! بل أنا من الناس الذين طُلب منهم أن يُعرفوا نساء عند أبواب تلك الجهات ليس لي بهن أي صلة! وهو أمر متكرر ومعروف. وطالما استُخدمت هذه الطريقة لتزوير وكالات عن النساء الوارثات لأجل الاستيلاء على إرثهن! فلماذا لا يوضع حل لذلك؟ فبالإمكان وضع ربط آلي مع مركز المعلومات الوطني، الذي يوجد لديه حتى البصمة للمواطنين الذين حصلوا على بطاقات مؤخرا، أو باعتماد طريقة عمل مشابهة للتي تعمل عليها البنوك، حيث لا نسمع أي شكاوى تلاعب فيما يخص معاملات النساء فيها. كما أن من الإجراءات التي يمكن اتخاذها ووضعها في النظام؛ تحديد عقوبة صارمة على من يثبت كذبه في التعريف، وعلى من يثبت كذبها بادعائها تمثيلَ غيرها، وأن تُسجل سابقة جنائية على مرتكب هذه المخالفة.

ومن الأمور التي يجب أن يحسمها النظام؛ مماطلة بعض الورثة في إعطاء بقية الورثة من النساء حقوقهن. ومن الواجب والأمانة أن تضع الجهات المسؤولة حدّا لذلك، إذ بالإمكان سنّ عقوبة أخرى على من ثبتت مطالبة المرأة الوارثة له بحقها، مع استمرار حيازته لذلك الحق لمدة معينة يضعها النظام، من باب التعزير الذي هو حق لولي الأمر. هذا بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات التي يمكن أن يتخذها النظام في حال صدوره. أما أن يستمر الوضع كما هو عليه فإن قدرا كبيرا من المسؤولية المُلقاة على الجهات العدلية لم يُقدّر بقدره، وهناك الكثير من الظلم الواقع الذي لا يجوز السكوت عنه. وستؤدي معالجة هذه المشاكل بالتأكيد إلى التخفيف من القضايا اليومية التي تُثقل كاهل المشايخ القضاة وكتاب العدل.

من أهم طرق علاج المشاكل؛ النظر إلى المسبِّبات لتلك المشاكل. وبالنظر إلى هذه المشكلة تحديدا، نجد أن التساهل الحاصل في الوكالات الشرعية للنساء أدى إلى ضياع الكثير من الحقوق! فالوكالة العامة مثلا غير محددة المدة، مع أنها في البنوك مثلا حدها الأقصى سنة واحدة ومن ثم يجب تجديدها. بخلاف الجهات العدلية، فإن الوكالة لا حد زمنيا لها طالما لم يحددها الموكل! إلا أن يجتهد القاضي أو كاتب العدل ويطلب تجديدها. ثم إن طرق إلغاء الوكالات ما زالت بشكل تقليدي وقديم، ولا توجد هناك قاعدة معلومات أو شبكة معلومات من خلالها يمكن إلغاء الوكالة مباشرة من أي مكان حتى الآن -في حد علمي-! بينما نجد البنوك تطبق ذلك منذ عقود ربما! ولا أعتقد أن ذلك مستحيل أو حتى مُكلف بالمقارنة مع ما يحصل الآن من الطرق التقليدية.

إن العديد من المراقبين يتساءلون عن الخطط والإجراءات الفاعلة نحو حل هذه وغيرها من المشاكل التي تُسبب الضياع لكثير من الحقوق، خاصة أن هناك اهتماما كبيرا من قبل خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء وخُصصت له ميزانيات ضخمة، لا أعتقد إلا أن المسؤولين في غاية الحرص والاجتهاد لتحقيق ذلك الطموح.