باتت "الشخصية القاعدية" والتي تنتمي لتنظيم القاعدة شبحاً مرعباً لطالما هدد الولايات المتحدة الأمريكية فى عقر دارها، وذلك بتبني أخطر الهجمات على المصالح الأمريكية، هذه الشخصية باتت «حشرة فى أذن الفيل»، حسب تعبير الصحفي الأمريكي الشهير جوناثون راندل، بدءا من تفجيرات 11سبتمبر 2001 التي استهدفت مركز التجارة العالمي، إلى تدبير الهجمات على السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998 ما أدى إلى مقتل 224 شخصا، وكذلك اتهامها فى أكتوبر 2000 بالمسؤولية عن الهجوم على المدمرة الأمريكية كول فى اليمن، ما أدى إلى مقتل 17 شخصا.
هذا السجل الحافل بالعمليات المناهضة للكيان الأمريكي كان يتخللها خطابات تهديد ووعيد من هذا التنظيم عادة ما كانت تتلقفها وسائل الإعلام في العالم، وفي ذات الحال من الجهة الأخرى نجد ملفات متخمة بأوراق الحرب شنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على أفغانستان فى أعقاب تفجيرات سبتمبر، وكانت من الملفات الزاخرة بالتحليلات السياسية الغربية.
نعم إنه صراع الديكة بين القاعدة وأمريكا والذي أسماه الصحفي الأمريكي "بيتر بيرجن"في كتابه "الحرب الأطول" ــ الصراع المستمر بين أمريكا والقاعدة The Longest War، الذي يحلل فيها الحرب بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة.
إنني أتساءل هل هناك فارق بين أن نقول (الشخصية القاعدية) أو (شخصية الإدارة الأمريكية) إنني أتصور أنهما متشابهتان إلى حد كبير، وإن كان بينهما اختلاف إلا أنهما وجهان لعملة واحدة، شخصيتان مليئتان بالتناقضات، فهما تحملان الشعارات الشوفينية من جهة، وتعشقان الدم من جهة أخرى، فالشخصية "القاعدية" ذات الملامح الهادئة تستطيع بتكشيرة واحدة أن تتفنن في صنع أنواع مختلفة من الأجهزة الناسفة للبشر والحجر، وكذلك العقلية الأمريكية بشخصيتها الجذابة والذكية؛ تستطيع وبحرفية عالية استثمار أي حدث على أرض الواقع وقتل الأبرياء دون رحمة، نصرةً لمبادئها العجيبة.
إنه أمر يدعو للاستغراب! ما هذا التنافس في الصراع بين العقلية الأمريكية والشخصية "القاعدية" في التلذذ بدم الأبرياء؟ نعلم أن التنافس الطبيعي في الصراع يكون بين قوى الحق والباطل، أما أن يكون التنافس في الصراع بين قوى الخير مجتمعة فهذا أمر غريب! والأغرب من ذلك عندما يكون الدم هو هاجسهم المشترك!
كنت أتساءل في الفترة الماضية؛ لماذا الإدارة الأمريكية بمخابراتها الدقيقة (سي آي إيه) عاجزة عن العثور على زعماء هذا التنظيم؟ ووجدت الإجابة في مذكرات كتبها رئيس القوات المشتركة الأمريكية (شكسوف) في حرب أفغانستان، فذكر أننا وجدنا زعماء تنظيم القاعدة في أحد كهوف أفغانستان، وبدأنا بتطويق المكان وأرسلنا الخبر إلى البيت الأبيض لتأتي الأوامر من أعلى (اتركوهم لم يحن الآن وقت القضاء عليهم)، إن العقلية الأمريكية في الواقع لا يهمها القضاء على الإرهاب، بقدر ما يهمها ماذا ستجني من مصالح من قتله في هذا الوقت؟
دعونا ننتقل إلى الماضي القريب، ففي عام 2004م، تم عقد جلسة استجواب ومقابلة شخصية في الكونجرس الأمريكي مع المرشحة لمنصب وزيرة الخارجية آنذاك (كونداليزا رايس) كان السؤال: ماهو مشروعك إذا أصبحت وزيرة خارجية؟ ابتسمت السيدة وقالت (مشروعي إعادة النظر إلى حلفائنا التاريخيين، فقد لا يستطيعون تنفيذ خارطة الطريق التي تستدعي الحداثة والحيوية والنشاط والذكاء السريع) ثم اعتلت منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة بعد ذلك. إن هذا الكلام له دلالات وأبعاد خطيرة وكما قال أحد الفنانين المصريين (دول الجماعة الخواجات مايعرفوش أبوهم) فجميعنا يذكر نوري السعيد داهية العراق في 58م الذي كان حليفاً استراتيجياً في يوم من الأيام لأمريكا، فإذا به يخرج من بيته مرتدياً عباءة الحريم يريد السلامة، وجاءت بعدها الأغنية العراقية الشهيرة لسهام رفقي (يأم العباية حلوة عباتك)، فأمريكا لا يهمها شيء سوى الهيمنة، فهي إرهابية ولكن على طريقتها.
أينما تجد القاعدة تجد أمريكا معهم جنباً إلى جنب، فالتدخلات الغربية في العالم العربي أورثت الإرهاب القاعدي والتطرف الذي نرفضه ولا نرغب فيه، ليكون السؤال: ما الذي يضمن للعرب ألا يؤدي التدخل الأمريكي والأوروبي المباشر أو غير المباشر في بعض الدول العربية التي تعيش الثورات الآن إلى عدم جذب اهتمام المتطرفين في العالم العربي؟ فحيثما وجدت الولايات المتحدة وجد ما يسمى الإرهاب. هذه المعادلة مقلقة في العالم العربي ولا يمكن إغفالها.
ويبقى السؤال الحقيقي: لماذا صراع الديكة على أشده الآن من قبل أمريكا وخصوصاً في هذا الوقت بالذات؟ إنني أتصور أنها مجرد خطة لصرف الأنظار والانشغال عن الثورات العربية والموقف الأمريكي المحرج أمامها، فالتحولات في الشرق الأوسط وثورة شعوب البلاد العربية من أهم المواضيع التي تلفت انتباه المحللين السياسيين في أمريكا، بعض علماء السياسة يقولون بأن بزوغ شمس الديمقراطية في العالم العربي سيولد عقبات جديدة أمام الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وفي اعتقاد أولئك المحللين فإن الثورات العربية ونتائجها قد أدت إلى تبيان التناقض في موقعية أمريكا بين مناداتها بالديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة، والسعي إلى دعم ما يحقق مصالحها من جهة أخرى، فما حصل في مصر جعل الإدارة الأمريكية تلوم مخابراتها (السي آي ايه) من عدم التنبؤ بهذه الثورة.
أما السبب الآخر في تنامي الصراع الآن فلا يقل أهمية عن السابق، وهو تفويت الفرصة على تنظيم القاعدة لكي لا يتخذ له موطئ قدم في البلدان العربية التي اجتاحتها الثورات الشعبية، وما زالت تتواصل فيها، نعم إنه التسابق في استباحة الدم العربي.