لعل من أهم الأخبار التي استحوذت على النقاشات بين المثقفين والعاملين في مجال الصحافة والإعلام مؤخرا، خبر تعديل نظام المطبوعات والنشر. وباعتباري متابعا للشأن الإداري والتنظيمي في المملكة؛ فإنني أتوقع تأثيرات إيجابية كثيرة لهذه التعديلات رغم بعض المشاعر السلبية التي ظهرت من عدد من الكتاب في المجال الإعلامي وأعتقد أن هذه التعديلات ستسهم في إشراق واقع إعلامي جديد يتسم بالمسؤولية بين المتعاملين في الساحة الإعلامية ويساعد مستقبلا في بروز الوجه الإعلامي الذي نطمح إليه في صحافتنا.
وإحقاقا للحق، فإنني وبعد قراءة مستفيضة ومتأنية للتعديلات، وجدت أنها لم تأت من فراغ وإنما أتت لتسد فراغا في الأنظمة طالما نادى به الكثيرون من المهتمين بالشأن والصالح العام.
في نظري أن هذه التعديلات جاءت لتحقق مبدأ "الحرية المسؤولة" التي تكبح النتائج السلبية التي نراها اليوم والمتمثلة في مساحة الحرية الصحفية التي استغلت من قبل البعض. ولا أريد أن أذهب بعيدا... ففي هذه الصحيفة كتبت قبل أكثر من 5 شهور وبالتحديد في 9 الحجة 1431هـ الموافق 15 نوفمبر 2010 م مقالة بعنوان "لمصلحة من ما يكتب في صحافتنا؟" وقلت ما نصه: "ولكوننا نتمتع بهامش حرية واسع في صحافتنا ولأننا نعايش أنظمة غير فعالة في مقاضاة من يسيء إلى الغير عبر الكتابة الصحفية فمن الطبيعي أن تعج بعض صحفنا بالأخبار المبتورة وغير الدقيقة التي تتلقفها وتضخمها المواقع الإلكترونية والمنتديات والمدونات الشخصية (السعودية والأجنبية) مما يؤدي إلى انعكاسات مدمرة لا تضع أمام المجتمع إلا ما ينفره ويشككه في مصداقية و ذمة كل من حوله حتى بتنا نرى كل ما أنجز من حولنا خرابات لا يعيش فيها إلا طائر البوم".
وليس انتقاصا في حق صحافتنا أن أقول إنها صحافة نامية تستحق الرعاية والتطوير وإنها قد قطعت شوطا كبيرا وجيدا رغم ما يشوبها من قصور في كفاءة بعض العاملين فيها ورغم انجراف بعض الكتاب نحو ما يشبع أهواءهم الشخصية ورغم سياسة بعض الصحف في حب الإثارة لزيادة المبيعات.... كل ذلك في أجواء تشجع على تسليط الأقلام ضد الغير دون محاسبة قانونية جدية حتى أصبحت ساحات صحافتنا مثل الطرق في حاجة ماسة إلى نظام "ساهر" من نوع آخر ليردع كل من يبيح لنفسه الإساءة للغير.
ورغم إيماني العظيم بضرورة وجود صحافة جادة تكون عين المجتمع والدولة تسهم في تصحيح المسارات وتنبه كل مسؤول إلى مواقع الخطأ، إلا أنني ضد ما يحدث في بعض صحفنا من حرية شن الهجوم على المسؤولين الذي نتيجته شل وتكتيف قدرات وحركة المسؤولين ووضعهم في حالة توجس وترقب مما قد تكتبه الصحافة منتقدة قراراتهم مما يؤدي بالتالي إلى صدور قرارات مبتورة لا تفي بالغرض ولا تحقق الأهداف المنشودة. عليه، فإن وجود تنظيم يضمن عدم تعدي أو تجرؤ كاتب أو صحفي على مسؤول إلا بوجود أدلة دامغة، لا تتعدد تفسيراتها، هي الضامن الوحيد لولادة صحافة مسؤولة تعي دورها الهام في بلادنا بدلا من تأزيم عملية وحركة التنمية.
عملية الإصلاح التي تقودها الدولة لا شك أنها تواجه الكثير من التحديات. شخصيا أرى أن هذه التعديلات في نظام المطبوعات إنما هي في إطار المحاولات الإصلاحية التي أتمنى ألا يتم بترها أو تجزئتها، لأنها في نظري، ستقضي على كثير من السلبيات في مجتمعنا. تماما كما فعلت وزارة الداخلية في نظام "ساهر" رغم كل الاعتراضات التي واجهت النظام. فعندما طبق النظام شعرنا جميعا بالتحسن في الحركة المرورية وزادت درجة الطمأنينة بيننا. لا أقول أن المرور حقق كل ما هو مطلوب منه فما زال أمامه مشوار طويل لتحقيق أكبر قدر من السلامة المرورية الشاملة.
الآن حان دور الإعلام ليشيع روح الطمأنينة بأن لا أحد صغيرا أو كبيرا، سيفلت من قبضة القانون فيما لو تجاوز حدوده.