يتعجب الإنسان ويهز برأسه كيف يرتكب الحماقة ويكررها من رأى مصير خواتمها وعواقبها المرة عند الآخرين بما يتكرر عنده، حين نرى بعض الرؤوس في الأنظمة الشمولية يكررون نفس الجملة، ويعيدون نفس الخطأ، لكأنهم لم يروا ما حدث أمام أعينهم، وليس من قرأ التاريخ والأحداث واتعظ.
وهو ما قاله الرب في الكتاب إنه لا ينتفع من الحدث بل هي كلمة هو قائلها، (وكم من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون). وهي مقولة يقولها الكافر حين يواجه العاقبة وضياع المصير فيقول يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.
يقول القرآن قد قالها من قبل آخرون فلم يغن عنهم شيئا، بل جاء في سورة الأنعام أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، بل يذكر القرآن حقيقتين جميلتين؛ الأولى عن أثر من ينهى كيف ينأى ويبتعد؛ فمن وعظ بالشيء تأثر به، ومن كذب صدق نفسه، ولذا يذكر القرآن الحقيقة الثنائية العجيبة؛ انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون بعد قوله (وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون).
والسؤال كما طرحه الأخ عبدالله من جدة على أنهم أغبياء؟ فهل هم أغبياء حقاً؟
والواقع ليس كذلك؛ فالزعيم الليبي مثلا ليس غبيا ولا أقرانه في أماكن أخرى أغبياء؟
إذن فلماذا يكررون نفس الخطأ ويقعون في نفس المطب؟
أذكر جيدا من أستاذنا في أمراض القلبية الدكتور رزق أنه كان يكرر دوما هذا المثل: هل تعلمون ما الفرق بين الحمار والتيس؟ فنضحك ونهز رؤوسنا.. لا؟
كان يتابع: الحمار لا يكرر الخطأ نفسه فلا يقع في نفس الحفرة أما التيس فيفعل ذلك..
ويبدو أن جماعات الأنظمة الشمولية في جمهوريات الرعب يفعلون هذا، ولكن ما هو السر خلف هذه الخطيئة؟
والجواب مرة أخرى من القرآن في آية من سورة الأعراف حين يقول (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغير يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين).
والمثل على ذلك فرعون فقد رأى تسع آيات بينات؛ من الجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات؛ فلم تنفع ولم يؤمن مع تكرار انقلاب النظام الكوني أمامه على نحو خطير منذر، ولكن لا فائدة.
واللحظة الوحيدة التي اعترف بها فرعون كانت في الغرغرة وموج البحر المالح يملأ فمه ورئتيه؛ حينها قال آمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنو إسرائيل وأنا من المؤمنين.
مع هذا فلم نحظ ببقايا من الآثار الفرعونية تروي وتعترف بأثر هذه الهزيمة في أي لوحة فرعونية، دليلا آخر على يبوسة القلب ونشافة الدماغ، وأثر الاستبداد والديكتاتورية في عدم الاعتراف وركوب الرأس بحماقة التيس على مثل دكتورنا رزق؛ فيأتيهم العذاب فيقولوا هل نحن منظرون.