ظل هاجس " أسلمة" الإعلام، يلحّ على الإسلاميين منذ بدايات القرن العشرين، وهذا ما دفع الكثير من رموزهم إلى التفكير الجـاد، بطرح "بدائل إسلامية" إعلامية، قادرة على تقديم مضمون جاد، واستقطاب جمهور يهتم بها، في ظل أنماط متعددة، لسلوك إعلامي استهلاكي. وبالفعل دخل الإسلاميون مجال البث الفضائي، في محاولة جادة منهم لـ"أسلمة" العمل الإعلامي. إلا أنهم في مستهل دخولهم هذا، واجهتهم عقبات فنية لها امتداداتها الفقهية، والتي تحفظت كثيراً على استخدام بعض التقنيات. إلا أن أغلب الإسلاميين وجدوا أنهم أمام ظاهرة لا يمكن تجاهلها، فضْلاً عن رفضها. وبحسب القاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات "، ولكون وسائل الدعوة ليست توقيفية، وعليه، صب رجالات الفكر الإسلامي جام جهودهم تجاه حَسْم هذه المسائل، التي فتحت الباب أمام قيام عمل إعلامي إسلامي حديث، وظهور تجارب فضائية "إسلامية"، أخذت مكانها في الفضاء، واقتطعت حصة لا بأس بها من الجمهور، خصوصا في شهر رمضان المبارك، حيث ترتفع نسبة المشاهدة للفضائيات الدينية.
نظرية "المسجد" الإعلامية
الباحث الإعلامي، ماجد بن جعفر الغامدي، يقرر منذ بدء حديثه مع "الوطن" أن "المحتوى الديني البرامجي مطلوب، لأنه يسد حاجة من حاجات الشعوب"، مؤكداً أنه "لا يوجد إعلام محايد، بل إعلام مؤدلج قائم على أجندة أصحاب تلك القنوات". ويدافع الغامدي عن توجه القنوات الدينية بقوله"من حقها بناء توجهها الإعلامي الديني المحافظ". لكن الغامدي ما يلبث أن يوجه نقده للفضائيات "المتشددة"، والتي يعتبر أنها "تسير بنظرية المسجد الإعلامية، بتحويلهم الشاشة الفضية الصغيرة إلى إذاعة مرئية تلقينية، دون مراعاة للضوابط المهنية الاحترافية، في العمل التلفازي".
ملامح أزمة
يتفق الكاتب الصحفي والإعلامي بإحدى القنوات "الإسلامية"، أنور بن علي العسيري، مع ما ذهب إليه الباحث الغامدي، فيشير إلى "ملامح أزمة" في هذه القنوات، حيث يقول في حديث مع "الوطن" إن هنالك "أزمة تعيشها منظومة الإعلام الفضائي الإسلامي، وهي إزاء مفترق طرق بين محتوى قيمي رسالي تملكه، وبين قدرات ضعيفة على مستوى الخبرات الفنية والإدارية. بالإضافة لضعف شديد في الموارد المالية". ويؤكد العسيري في معرض حديثه أن "صورة القنوات الإسلامية تكاد تكون نمطا مستنسخا في غالب القنوات المحافظة، وهي واضحة في نسبة المشاهدة التي بدأت تضعف، وعدم قدرتها على تقديم البرامج الجماهيرية، في مزاج جديد".
العسيري ينتقد أيضا وبشكل مبطن الإدارات القائمة، وذلك "لافتقادها إلى خبرة إدارة المؤسسات الإعلامية، ودخول غير المتخصصين، واعتمادها على التبرعات، دون تطوير مواردها، ما يعتبر إعاقة لنمو هذا النوع من الإعلام".
منافسة فضائية
وفي تصريح سابق إلى "الوطن"، كشف الباحث الإعلامي، الدكتور مالك الأحمد – والذي يعد من منظري الإعلام الإسلامي في السعودية- عن أن "رأس المال السلفي المحلي، ساهم في تأسيس أغلب الفضائيات الدينية سواء السعودية أو غيرها"، مضيفا أن "الإعلام الإسلامي يقع ضمن تيارين أساسيين مسيطرين على البث الفضائي الإسلامي، الأول: يتبع لتيار جماعة الإخوان المسلمين، والثاني: يتبع للتيار السلفي. مع الاحتفاظ بمساحات التشدد والتحفظ والانفتاح في كلا التيارين". وإن كان الأحمد يميل إلى "أن التيار السلفي، أكثر انتشاراً من الإخوان المسلمين، من حيث كم الفضائيات المحسوبة عليه". ويضيف الأحمد بُعداً آخر في تعليله إلى سيادة "التيار السلفي"، الأمر الذي انعكس تأسيسا لفضائيات دينية داخل السعودية وخارجها، تعود ملكيتها لشخصيات سعودية. ويوضح الأحمد نقطة أشبه ما تكون علامة فارقة للسلفية عن الإخوان المسلمين، وهي أن "أغلب مشايخ السلفية لهم قبول اجتماعي عريض، لعدم خلطهم الشؤون السياسية، بخلاف الإخوان المسلمين، وهذا ما جعل الإعلام السلفي الفضائي أكثر قبولاً لدى المجتمع المحافظ في السعودية خاصة، والدول العربية عامة". إلا أنه يعتبر ذلك "نجاحا مؤقتا وليس دائماً"، لغياب ما يسميه الأحمد "الثقافة التلفزيونية عن تلك القنوات".
رواج شعبي
مدير عام قناة "مكة" الفضائية، الدكتور نبيل حماد، كان أكثر صراحة أثناء حديثه إلى "الوطن"، حين جزم بأن "الخطاب الديني الفضائي، له رواج شعبي كبير، منذ بداية الثمانينات الميلادية"، مدافعا عن "التوجه السلفي للفضائيات، باعتبارهم سدوا ثغرة مهمة في المجتمع. وبذلك فالاتجاه السلفي الفضائي إذاً مرغوب فيه". معتبرا أن "المجتمعات بحاجة إلى مثل هذا الخطاب". حماد من جهة أخرى، اعتبر أنه "قد يكون هناك قصور في بعض البرامج الدينية لدى بعض هذه القنوات، لكن الأمر لا يمكن تعميمه على بقية القنوات"، مشيراً إلى "أهمية التخصصية في تلك القنوات، وحاجتها إلى أن تحترف العمل الفضائي".
نماذج من القنوات الدينية
قناة الناس، قناة الخليجية
تعود ملكية القناتين إلى رجل الأعمال، منصور بن كدسة الغامدي، الذي بدأ استثماره في الفضائيات بقناة "الخليجية"، التي انطلق بثها واستمرت سنوات كقناة فنية متخصصة في بث أغاني الفيديو كليب، قبل أن تغير مسارها عقب النجاح الكبير لشقيقتها الصغرى "الناس" كفضائية دينية، لتتحول "الخليجية" هي الأخرى إلى التخصص في الوعظ الديني. وفي بدايتها كانت "الناس" نفسها قد حددت وجهتها كقناة "ترفيهية" متنوعة، تقدم برامج الغناء، وتفسير الأحلام، وعلاج الجن، واكتشاف المواهب، وبث حفلات الزفاف، وطلبات الزواج والدعاية.
وكان شعارها في تلك المرحلة (قناة الناس لكل الناس)، قبل أن تتحول بداية من يناير 2006 إلى قناة دينية بالكامل، وتنتقل إلى شعارها الجديد الذي يناسب المرحلة (قناة الناس..شاشة تأخذك للجنة).
واشترط بعض العلماء لكي يظهروا في القناة، عدم ظهور المذيعات في البرامج، ومنع بث الموسيقى، فتوقفت القناة عن استخدام الموسيقى، أما المذيعات فقد اقتصر ظهورهن على الإعلانات التجارية. وبعدها قرر مجلس الإدارة في أغسطس من عام 2006 الاستغناء نهائيًا عن العنصر النسائي في القناة.
شبكة المجد الفضائية – قناة الهدى الإنجليزية – قناة خير
تعود ملكيتها إلى أحد رجال الأعمال المعروفين في المملكة، وهو الشيخ حمد الغماس، رئيس مجلس إدارة شبكات قناة "المجد" الفضائية، وقناة "الهدى" الناطقة باللغة الإنجليزية، وقناة "خير" التي أغلقت بعد ثلاثة أشهر من افتتاحها، بعد أن قررت الشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايلسات) إيقاف بث القناة بسبب الرسائل القصيرة الـ SMS التي ظهرت على شاشتها، وحملت كلمات اعتبرتها "النايلسات" تحرض على العنف والتطرف في العراق،. أما قناة "الهدى" فافتتحت كأول قناة إسلامية ناطقة باللغة الإنجليزية، وهي على نفس نهج قنوات "المجد"، بدون نساء، و بدون موسيقى.
قناة صفا
رأس إدارتها حتى أبريل 2009 الشيخ عثمان بن محمد الخميس، المعروف بمناظراته المذهبية، و هي الفكرة المحورية التي قامت عليها القناة، ولا يعلم خلفيات تركه للقناة، حيث كان يمثل إدارتها.
قناة مكة
يرأس مجلس إدارتها رئيس جمعية مساعدة الشباب على الزواج بجدة، الشيخ فريح العقلاء. أما صاحب الفكرة في إنشاء تلك القناة، فهو الشيخ سفر الحوالي، لكن القناة لم تستطع الظهور لأسباب مادية. وأعيد افتتاح القناة – عبر بيعها- عام 2007، للشيخ محمد الكثيرين. وتقوم فكرة القناة على المحكمات الشرعية، وتعزيز القيم، انطلاقاً من مكة المكرمة.