كلما مات علم من أعلام الثقافة والأدب لدينا، تخاتلنا أصوات بلهاء، تخرج إما مستنكرة، أو رافضة، أو معترضة، أو في أضعف الإيمان متسائلة (من هذا ؟).

ظل هذا السلوك السلبي يميز مناخنا الثقافي منذ الآباء المؤسسين، ومن نماذجهم محمد سرور صبان وحمزة شحاتة ومحمد حسن عواد، ومحمد السنوسي ومحمد سعيد المسلم، وحسن صيرفي، وربما غيرهم كثير، وفقيد الأمس الراحل الجليل (الأستاذ) عبدالله عبدالجبار أحدهم، حيث طالته نفس الرؤية التي تفتقد لعمق القراءة ومنطق مساءلة الأشياء داخل سياقاتها، وفضيلة الوعي بمفاهيم التراكم التاريخي. ولا أستبعد أن يتكرر ذات السلوك غدا - بعد عمر طويل - مع من تبقى من قامات سامقة في مختلف مساحات الوطن الشاسعة.

الأمر الذي يجعلنا لا نتردد في البحث عن ماهية الخلل الذي يسم ساحتنا، والسؤال عن انقطاعات التراكم المعرفي لرموزنا التي حفرت في صخر البدايات كي تؤسس فعلا معرفيا، وتشعل قناديل التنوير.

على نحو ما صنع عبدالجبار وهو يسهم في تأسيس أول ثانوية في تاريخ الدولة السعودية الحديث عبر مدرسة (تحضير البعثات) في مكة المكرمة، وأدواره في المعهد العلمي السعودي، هذا في الجانب التربوي، ناهيك عن ألقه في الحقل الصحفي عبر مقالاته الوطنية في (صوت الحجاز) وريادته البحثية في كتابه الشهير (التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية) الذي يحسب لعدد من محبيه اشتغالهم على إعادة طباعته ضمن مجموعة أعماله الكاملة قبل ثلاث سنوات.

إن أهمية عبدالجبار لا تنبع ـ كما يقول الدكتور محمد صالح الشنطي ـ من كونه ناقدا رائدا فحسب، بل هو جزء من الحركة الثقافية التنويرية التي تتعاطى مع الأدب بوصفه نتاجا اجتماعيا، وعنصرا فكريا، وهذا ما تتلمسه بوضوح في كتابيه (التيارات) و(قصة الأدب في الحجاز).

لكننا – ويا للخيبة - ابتلينا بالجحود، وأحيانا ضيق الأفق، والسطحية بما يحيلنا إلى المثل الشعبي (يلقط الكبيبة من فم القدر)، حيث الآراء المبتسرة المتسرعة، كما هو حال بعض الكتبة، الذين - في تصوري - يبقى وجودهم أحيانا ذا قيمة إيجابية، لأنهم يسهمون دونما وعي منهم في إنزال المستحقين قدرهم الذي يليق بجليل أدوارهم، وحجم عطاءاتهم التي لن ينسفها أو يقلل منها، قول فالت هنا أو شارد هناك ينم - بالضرورة - عن قصر نظر، وتفكير سطحي أرعن، أجوف، وروح خاوية.

الذين حاولوا الانتقاص من عبدالجبار مؤكد، أنهم لم يقرؤوه جيدا، حتى لا أقول لا علاقة لهم بالقراءة المعرفية الحقة التي تضيء المعتم فيهم وأمامهم كي يروا، أو على الأقل يدلوا برأي علمي سماته الموضوعية، ومحدداته المعرفة. ولا شيء غير المعرفة.