يُركِّز مسؤولون من أفغانستان وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل متزايد على حماية السكان المحليين كمحور أساسي مطلوب لهزيمة حركة طالبان والمجموعات المُسلَّحة الأخرى في أفغانستان. هناك خطوات محددة ضرورية لتحقيق هذا الهدف، مثل بناء قوى أمن أفغانية وطنية ذات كفاءة عالية، إعادة دمج المتمردين في المجتمع الأفغاني، مكافحة الفساد، وتطوير أساليب الحُكم. وقد نشرت مؤسسة "راند" الأمريكية للأبحاث في نهاية شهر يوليو الماضي دراسة حول خطوات تكميلية في هذا المجال تتعلق بتعبئة المجتمعات المحلية، خاصة استخدام مؤسسات الشرطة التقليدية لنشر الأمن والمساعدة في حشد الأفغان الذين يسكنون في الريف ضد نظام طالبان والجماعات المسلحة الأخرى.
تقول دراسة راند إن تعبئة المجتمعات المحلية يجب أن تحسن بشكل كبير آفاق مكافحة الإرهاب. وتضيف الدراسة أن كسب تأييد السكان – خاصة حشد السكان المحليين لمحاربة المتمردين، تقديم معلومات عن أماكنهم وتحركاتهم، وحرمان المسلحين من الملاذ الآمن- يُعتبر عاملاً أساسياً في تحقيق النصر في مجال مكافحة حركات التمرد المُسلَّح. في عام 2010، تحركت مجتمعات كثيرة في قندهار، وهلمند، وباكتيا، وهيرات، وداي كوندي، ومناطق أخرى وقاتلت ضد المجموعات المسلحة. هذه الحالات تقدم فرصاً هامة لجهود مكافحة حركات التمرد في أفغانستان.
إن الجهود الناجحة لحماية السكان يجب أن تضمن تفهماً أفضل للمجتمعات المحلية. وهناك خطأ شائع ترتكبه الحكومة الأفغانية وحكومات حلف الناتو بتصوير الصراع على أنه بين حركة طالبان وبين الحكومة المركزية في كابول. لكن هذا التقسيم الثنائي زائف ومن غير المحتمل أن يقنع سكان القرى الذين لم يعتمدوا مطلقاً بشكل كامل على مؤسسات الدولة من أجل فرض النظام والقانون في مناطقهم. يمكن استمالة المجتمعات الريفية من خلال فهم المصالح الخاصة والعوامل التي تساعد على الاكتفاء الذاتي لهذه المجتمعات، وهي تفضل حماية قراها بنفسها بدلاً من أن تعتمد على الآخرين ليفعلوا ذلك من أجلها. إن عدم تبني أسلوب يعتمد سياسة البدء من الأسفل إلى الأعلى قد يعيق جهود مكافحة حركات التمرد. وتوثق دراسة مؤسسة راند ثلاثة دروس حول إمكانية تحقيق الأمن من الأسفل إلى الأعلى. هذه الدروس هي:
أولاً، احتاج الأمن في أفغانستان تاريخياً إلى مزيج من الجهود من الأعلى إلى الأسفل من الحكومة المركزية، ومن الأسفل إلى الأعلى من المجتمعات المحلية، كما كان متمثلاً في آخر فترة شهدت فيها أفغانستان الاستقرار: فترة حُكم سلالة مصاحبان (1929-1978). منذ عام 2001، ركَّزت الجهود الأمريكية والعالمية على التأسيس للأمن من الأعلى للأسفل من خلال قوات الأمن الأفغانية الوطنية ومؤسسات حكومية أخرى، لكن التاريخ وعلوم الإنسان وعقيدة مكافحة التمرد جميعها تشير إلى أن قوات الأمن المحلية تُعتبر مكملاً هاماً لهذه الجهود الوطنية.
ثانياً، القوة في المناطق الريفية لا تزال محلية، والأفراد يعرفون عن أنفسهم بشكل عام من خلال قبيلتهم أو عشيرتهم. البشتون استخدموا تاريخياً مؤسسات تقليدية محددة لحفظ الأمن في مناطقهم ومجتمعاتهم. وهذه المؤسسات ليست ميليشيات، بل قوات شرطة دفاعية على مستوى القرية تخضع لسيطرة مجالس الشورى والجيرجا المحلية.
ثالثاً، تحتاج الحكومة الأفغانية وقوات الناتو للتحرك بسرعة لتأسيس استراتيجية أكثر فاعلية من الأسفل للأعلى لتكون مكملة للجهود التي تُبذل لنشر الأمن من الأعلى للأسفل من خلال تعبئة المجتمعات المحلية، خاصة في مناطق البشتون. تستطيع الحكومة الأفغانية أن تعمل مع الهياكل الاجتماعية الموجودة التي تعارض الجماعات المتمردة لتأسيس كيانات للشرطة على مستوى القرية، بدعم من دول الناتو عندما يكون الأمر ملائماً. وهناك عدة خطوات هامة جداً:
• يجب تحديد المجتمعات التي تقاوم طالبان أو الجماعات المتمردة، أو التي طلبت المساعدة من دول الناتو لمقاومة الجماعات المتمردة. العديد من هذه المجتمعات لديهم هياكل شرطة تقليدية.
• يجب التأكد من أن الحكومة الأفغانية تأخذ موقع القيادة في التدريب والتدقيق والتوجيه والإشراف على قوات الدفاع المحلية. دور الحكومة المركزية ربما يكون حساساً، حيث إن بعض المجتمعات قد لا ترغب بتواجد دائم للحكومة المركزية في قراها.
• يجب الاستفادة من المؤسسات المحلية الشرعية الموجودة، مثل مجالس الجيرجا والشورى، للمساعدة على فرض السيطرة والتحكم بقوات الدفاع المحلية.
• يجب تشكيل قوات تدخُّل سريع من القوات الأفغانية وقوات الناتو لدعم قوات الدفاع المحلية التي تتعرض للهجوم.
• يجب توفير مساعدات من أجل التنمية تستفيد منها المجتمعات المحلية. من الضروري أن يرى الناس ويلمسوا فوائد حقيقية، خاصة في مجال توفير فرص العمل.
هناك فرصة هامة لحشد الشعب الأفغاني ضد حركة طالبان. تشير استطلاعات الرأي والبيانات الأخرى إلى أن حركة طالبان فشلت في الحصول على تأييد قوي بين الأفغان. قواعد دعم الجماعات الأخرى، مثل شبكة حقاني والحزب الإسلامي الذي يقوده قلب الدين حكمتيار، أضعف من الدعم الذي تحظى به حركة طالبان. هذه الحقيقة تقدم فرصة كبيرة يجب استغلالها. هناك بالطبع مخاطر مع أي إستراتيجية، لكن المخاطر المحتملة أقل من المكاسب المحتملة، خاصة أن القوات الأفغانية وقوات الناتو تستطيع أن تراقب وتوفر الإشراف على قوات الدفاع المحلية وتخفف من حدة هذه المخاطر.