تستكمل "الوطن" في حلقتها الثانية، جولتها في "صعدة" ونواحيها، زائرة مخيمات "النازحين"، ومتحدثة مع مندوبين عن القائد الميداني للحوثيين، عبدالله الرزامي.

النازحون

"النازحون" من الحرب السادسة، والقابعون في مراكز الإيواء، التي يصل عددها إلى نحو 11 مركزا، كانوا هم محط اهتمامنا التالي، ومدار سؤال وجهناه إلى محافظ "صعدة"، العميد طه عبدالله هاجر، الذي أوضح أن "عدد النازحين بمراكز الإيواء بصعدة يتجاوز الـ 350 ألف نازح، منهم من يسكن في مراكز الإيواء، ومنهم من يسكن بالقرب من منازلهم المدمرة، وآخرون بين الدمار".

خيامٌ منثورة

في الصباح الباكر، أدرنا سيارتنا، واتجهنا نحو مراكز إيواء النازحين، وقبل وصولنا، شاهدنا الكثير من الخيام، يتجاوز عددها الـ 500 خيمة. حين وصولنا، اتجهنا إلى خيمة "الأمن" بمركز الإيواء. قدمنا أنفسنا، للمسؤول عن المخيم، تردد في بداية الأمر، وامتنع من إعطائنا أي معلومات، وبعد محاولات متعسرة، اضطررنا إلى العودة والبحث عن طريقة للالتقاء بالنازحين. خطرت ببالنا فكرة ارتداء "اللباس اليمني"، فكانت فكرة مقبولة، بهدف الدخول للمخيم، والتحدث مع النازحين. بعد صلاة الظهر ارتدينا الملابس اليمنية، والجنبية، وبعد التنسيق مع بعض القاطنين بالمخيم النازحين دخلنا إلى المخيم، إلا أننا واجهنا صعوبة بإقناع الناس بالتحدث لنا، كونهم لا يرغبون بنشر أسمائهم، أو صورهم.

معاناة النازحين

بعد عناء ومشقة، توجهنا لأحد مراكز الإيواء في "صعدة"، ومن يشاهدنا يعتقد بأننا من أهالي المحافظة، ودخلنا من جهة أخرى بعيدة عن خيمة مسؤولي "الأمن"، في ظل عدم وجود أسوار تحيط بالمخيم، حيث تستطيع أن تدخل من أي جهة تريدها.

توجهنا لإحدى الخيام، التي يتواجد بها أكثر من 7 أفراد، بما فيهم ربُ العائلة وزوجته، تحدث مشتكيا من "وجود تفرقة من خيمة لأخرى، كما أن توفير المتطلبات غير كافية لأسرة يتجاوز عدد أفرادها العشرة"، مضيفا "عدد أسرتي كما تشاهدون 7 أفراد، والحقيقة أننا نعاني كثيرا، خاصة أنه يتم إعطاؤنا، من قبل جمعية الهلال الأحمر اليمني، مؤنا ومواد غذائية لمدة أسبوع، وكأنهم يصرفون علينا من جيوبهم، لأنه لا يكفينا ما يعطوننا إياه، وينفد بعد مرور اليوم الثالث أو الرابع". المعاناة برأي الرجل لا تقف عند هذا الحد، بل "لا وظيفة تقينا من غدر الزمن، ولا وجود لمبلغ مالي نستطيع أن نعمل به في أعمال حرة، سواء البيع بسوق الخضرة، أو حتى لو نبيع الماء!. ونحن هنا نجلس وننتظر المساعدة وننتظر الفرج. صحيح أن الحرب توقفت، ولكن من الممكن أن تعود في أي لحظة".

غضبُ الطبيعة

بعد أن استمعنا للنازح الأول، وشاهدنا حال أسرته، انتقلنا لخيمة ثانية، والتقينا برب الأسرة، فتحي عبدالجليل، الذي تحدث عن معاناتهم مع "الطبيعة"، قائلا "إننا نضع أيدينا على قلوبنا، عند حدوث عاصفة ترابية، أو هطول أمطار، ونخاف على عوائلنا من اقتلاع الخيام ودورات المياه من أماكنها". عبدالجليل اشتكى هو الآخر من "قلة" المواد الغذائية، شارحا "ما يقدم لنا من مواد غذائية ليس فيها أي عدل أو مساواة، بالرغم مما نسمع عنه من تقديم مساعدة مالية وغذائية، من بعض الدول. ونسأل لماذا لا يتم صرفها لنا بالتساوي؟". سبب هذا الخلل برأي عبدالجليل يعود لـ"عدم وجود لجنة مراقبة تؤدي عملها بالشكل المطلوب". مطالبا رئيس جمعية الهلال الأحمر في "صعدة"، بـ"النزول وتفقد المخيمات، والاستماع لما يعانون منه. وإعطاء كل ذي حقا حقه. فلا عدل في توفير المواد الغذائية"، متسائلا "كيف يتم إعطائي مواد غذائية التي لا تفي بالغرض لمدة أسبوع، ولدي 10 أفراد، إضافة لبعض الملابس القليلة!"، وهو الأمر الذي دفعه لأن يقول لنا "سئمت من الجلوس في خيمة، أريد العودة إلى منزلي المدمر، وأريد إعادة إعماره، أو إعطائي المال بعد الوقوف عليه وتثمينه".

بعيدا عن النيران

أنهينا مهمتنا في "المخيم" على عجل، واتجهنا نحو قرى لم تطلها نيران الحرب السادسة. جلسنا إلى ابن القرية، عبدالرحمن السيد، الذي أوضح لنا أن قريته "كانت آمنة إبان الحرب السادسة. لأنه يسكن في نشور أكثر من قبيلة، والجميع ملتزمون بعدم الخوض في الحرب. مما جعل قريتنا محط أنظار الجميع، واستقبلنا الكثير من النازحين، وقمنا جميعا كأسرة واحدة بتوفير السكن والاحتياجات والمواد الغذائية"، مضيفا "أصبح سوق نشور يقصده الكثير، وأصبح الجميع بما فيهم النازحون يمارسون عملهم التجاري بكل أمن وأمان".

البحث عن "الحوثيين"

تعد هذه الخطوة، أصعب الجولات الميدانية، التي قامت بها "الوطن"، حيث عزمنا الدخول إلى المواقع التي يتمركز بها "الحوثيون" بعد الحرب السادسة، والسفر إلى محافظة "عمران"، حيث تقع مديرية "حرف سفيان"، المركز الثاني لـ"الحوثيين"، التي شهدت أشرس مواقع القتال.

صدفة مثمرة

لمعرفتنا بصعوبة الوصول إلى "الحوثيين"، وإقناعهم بالحديث إلينا، وأثناء تفكيرنا في السبيل الأمثل لحل المشكلة، مرت بالقرب منا سيارة لا نعرف صاحبها، طلبنا منه أن يوصلنا إلى ما بعد جبل "المصنعة"، وأثناء طريقنا أخبرناه عن سبب مجيئنا، فسألنا عمن نريد اللقاء به، فرددنا سريعا، أننا نريد الالتقاء بالقائد الميداني، عبدالله عيضة الرزامي، الملقب بـ"أبو يحيى"، فرد علينا مستغربا "على طول تريدونه!"، فقلنا له: "نعم نريد مقابلته إذا أمكن". أوقف الرجل سيارته فجأة، فاعتقدنا بأنه يريد إنزالنا منها، ولكن اتضح لنا بأنه يريد إجراء اتصال بمن يعرفهم من المقربين من الرزامي. وبعد انتظار للرد، سمحوا لنا بالدخول، واللقاء بمندوبين من قبل الرزامي.

الطريق إلى الرزامي

كانت أول نقطة لـ"الحوثيين" تقابلنا، قبل الدخول لجبل "المصنعة"، تضم أكثر من10 أشخاص، حيث تم إيقافنا، وتوجيه بعض الأسئلة، ليتدخل صاحب السيارة، مخبرا إياهم أننا نريد الاتجاه لما بعد جبل "المصنعة"، لنيمم صوب "رهوة" تاليا، إلا أننا في طريقنا لها لم نشاهد أيا من "الحوثيين" متمترسا في الجبال. وقبل وصولنا، كان يفصلنا وهدفنا وادي مازالت المياه في بعض أطرافه، فاضطررنا إلى المشي، حتى اجتزنا الوادي. وكان في استقبالنا عدد من المسلحين، أدخلونا غرفة مبنية من الحجر، حيث جلسنا مع المندوبين من قبل القائد الميداني عبدالله عيضة الرزامي.

لقاء المندوبين

رحب بنا مندوبو الرزامي، وتم تقديم الاعتذار لنا، على عدم حضور الرزامي شخصيا، نظرا لانشغاله في أمور أخرى، حيث قيل لنا "إنه يرحب بنا، وليس لدينا ما نخفيه". تبادلنا أطراف الحديث سريعا، لنقوم بعدها لصلاة الظهر، ثم تناول طعام "الغداء"، واحتساء الشاي والقهوة، ليجيبنا المندوبان، أبو محمد، وأبو صالح، أن "اسألوا ما شئتم، فليس لدينا ما نخفيه".

العلاقة مع السعودية

بادرنا مندوبي الرزامي بالسؤال، عن موقفهم من المملكة، وإذا ما كانت لديهم "عداوة مع السعودية؟"، ليجيب أبو محمد "ليس لدينا أي عداوة، لا مع المملكة العربية السعودية، أو حتى الحكومة اليمنية. عدونا أمريكا، وإسرائيل". الجواب السابق، دفعنا لسؤال اعتراضي، بأن قلنا لهم "لكن أنتم تحاربون وتقتلون، وتشردون الأسر!"، ليجيب أبو محمد مجددا "من قال لكم هذا؟. نحن لا نعتدي على أحد، ولا نهاجم أحدا، إلا من حضر إلى هنا وإلى مواقعنا، باسم أمريكا وإسرائيل".

علاقة الرزامي بالحوثي

العلاقة بين عبدالله الرزامي، وعبدالملك الحوثي، وما يشاع عنها من أحاديث، عن وجود خلاف بين الرجلين، موضوع طرحناهم على أبي صالح، الذي أجابنا بدوره "لا يوجد خلاف بين قائدنا عبدالله عيضة الرزامي، والقائد عبدالملك الحوثي. ولكن يمكن أن يكون هنالك اختلاف في وجهات النظر. ومع ذلك نحن معا، ولن نختلف إلا في أمور بسيطة، والاختلاف في وجهات النظر يحصل حتى في أبسط الأمور".

التمذهب الحوثي

سلاسة الحديث، دفعتنا للجرأة أكثر، فسألنا جلاسنا عما يقال عن تفرقة مذهبية يمارسها "الحوثيون"، ليأتي الجواب سريعا "هذا الكلام ليس بصحيح، وإننا هنا نتحدث باسم الإسلام، وليس باسم مذهب معين".

لا عداوة مع المملكة

فجأة طلب منا محدثونا، أن نترك لهم فرصة بتوجيه بعض الأسئلة إلينا. وافقنا، وكان سؤالهم "كيف هي نظرة الناس لنا، وماذا يقولون عنا في السعودية"، أجبناهم بصراحة كما طلبوا "الناس ينتقدونكم، لأنكم دخلتم أراضينا. وأيضا الجميع يقولون بأنكم تقتلون السعوديين، عندما تشاهدونهم، وتعترضون أي سيارة سعودية، وتطلقون عليها الأعيرة النارية"، فكان ردهم علينا "هذه وجهة نظركم، ولكن سنقول لكم، لو أننا نقتل السعوديين عندما نشاهدهم، لما كنتم أنتم بيننا. لماذا لم نقتلكم، ولماذا لم يعترضكم أي شخص، قبل أن تحضروا إلينا؟ هذه كلها إشاعات، وليس لدينا أي عداوة مع المملكة العربية السعودية".

خسائر الأهالي

بعد لقائنا مع مندوبي الرزامي، جالت "الوطن" داخل مديرية "حرف سفيان"، رصدنا خلالها الدمار الهائل الذي حل بها، جراء الحربين الخامسة والسادسة. حيث يؤكد أهلها أن "التجربة القاسية" التي عاشوها خلال الحرب الخامسة، أعطتهم درسا في مغادرة المدينة قبل اندلاع الحرب السادسة بأيام قليلة/ والخروج بأقل الخسائر.

ويقدر حجم الدمار الذي حل بالمنازل ما يقارب الـ90% من المنازل، التي دمر منها 70% كليا، و20% جزئيا، فيما بقي 10% منها سليما.

بيت حجران

أكبر الخسائر البشرية، التي طالت أهالي "حرف سفيان"، شملت أسرة "بيت حجران"، حيث تسببت غارة جوية تحت أحد الجسور، في مقتل 78 فردا من بيت واحد، حيث لم يبقَ منهم أحد على قيد الحياة.

خسائر الجيش اليمني

قائد اللواء 119 مشاة، المتمركز في الجبل "الأسود"، على مشارف "حرف سفيان"، العميد فيصل بن محمد رجب، بين إلى "الوطن"، أن هنالك "خسائر مادية طالت الجيش اليمني، تتمثل في إعطاب بعض آليات الجيش، بالإضافة إلى استشهاد عدد من القادة البارزين، من جماعة بن عزيز، الذين استشهدوا في العمشية، وعدد من أهالي خيوان الذين وقفوا إلى جانب القوات الحكومية". رجب يعتبر أن "الهدوء الحذر قد عاد إلى سفيان"، معترفا بـ"وجود عوائق يقوم بها الحوثيون لتعطيل أعمال اللجان المشرفة على تنفيذ الشروط الستة، التي وافق عليها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح".