قبل سنوات طرحت في مقالتي الأسبوعية فكرة تطوير نظام المناطق في المملكة، وإعطاءه سلطات أكبر وأوسع في الإدارة والإشراف المباشر على جميع الإدارات والمرافق الحكومية وطالبت أن يكون لكل منطقة ميزانية متكاملة تحت إشراف أمير المنطقة على أن تحدد ميزانية كل منطقة حسب احتياجات المنطقة وبناء على الأولوية التي يحددها مجلس المنطقة وليس على الأولوية التي تحددها كل وزارة على أن يناقش مجلس المنطقة ميزانية المنطقة ويدافع عنها عند مناقشتها مع كل وزارة ثم مع وزارة المالية على أن ترتبط مشاريع الوزارات وتنفيذها ارتباطا مباشراً مع مجلس المنطقة وليس مع الوزارات التابعة لها فقط.

وطالبت في مقالتي الماضية بضرورة إنشاء وكالات وزارات ذات صلاحيات كاملة في جميع التخصصات ولها الصلاحيات في اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى مقارها الرئيسية.

وأرى في ذلك تسهيلاً للمواطنين في المناطق وتخفيفا لمدة الانتظار التي تصل إلى شهور أحيانا لوصول رد الوزارة في العاصمة على بعض الأمور والمعاملات الروتينية وهي بيروقراطية عقيمة لا تتناسب مع عصر العولمة. فمعاناة المواطنين كبيرة جدا لمتابعة أعمالهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية في مركزها الرئيسي ويدخل ضمن معاناة المواطنين السفر من مناطقهم إلى المركز الرئيسي ثم العودة. وأكبر معضل في ذلك هو عدم وجود وسائل المواصلات السريعة والمتوفرة مثل الطيران حيث إن جداول الخطوط السعودية لا تلبي حجم الطلب الكبير عليها، وأكبر معاناة اليوم يواجهها المواطن هو السفر إلى العاصمة الرياض من أي منطقة من مناطق المملكة والعودة إلى منطقته بعد إنهاء مهمته.

إن كثافة المسافرين إلى العاصمة ومعظمهم من أصحاب المصالح الخاصة والعامة تجعل مهمة الخطوط السعودية صعبة في توفير رحلات متتابعة نظراً لعدم وجود الأسطول الذي يستطيع أن يغطي هذا الاحتياج والطلب المتسارع ونظراً لغياب شركات الطيران المنافسة الأخرى نتيجة المنافسة غير العادلة . وفي غياب وسائل السفر السريع الأخرى مثل شبكة السكك الحديدية ستظل المعاناة وتكبر كل يوم.

ومن وجهة نظري العملية هي ضرورة نقل صلاحيات الوزراء للوكلاء في المناطق وقد يكون مشروع الحكومة الإلكترونية أحد الحلول ولاسيما أنه حقق نجاحاً كبيراً في وزارة الخارجية وفي بعض خدمات بعض الإمارات مثل إمارة منطقة الرياض ومنطقة مكة المكرمة إلا أن بقية الوزارات ما زالت لم تعمم الخدمة.

ويؤسفني كل الأسف أن أرى نفس القضية ملحوظة في خدمات بعض مؤسسات وشركات القطاع الخاص حيث ربطت معظم البنوك التجارية قراراتها الكبيرة والصغيرة بمراكزها الرئيسية ولم يعد مديرو الأقاليم والفروع لهم صلاحيات كبيرة أو صغيرة لمنح تسهيلات بسيطة أو قروض شخصية أو إصدار بطاقات ائتمانية أو متابعة عملاء البطاقات الائتمانية والتخاطب معهم أو التعامل معهم في أبسط الإجراءات.

إن مركزية الإدارة من أكبر القضايا التي يواجهها المواطنون ولن تتقدم الإدارة في أي بلد إذا كانت القرارات مركزية، وهي أحد أسباب مظاهر الفساد الإداري والمالي. وضمن مقالتي السابقة طالبت وما زلت أطالب بتعميم فكرة الانتخابات البلدية إلى انتخابات أعضاء مجلس المحافظة ثم انتخابات مجلس المنطقة للأعضاء من غير الموظفين الحكوميين ممثلي الوزارات الخدمية في المنطقة واقترحت آلية لانتخاب جزء من أعضاء مجلس الشورى من الأعضاء المنتخبين في مجلس المنطقة، وذلك لربط أعضاء مجلس الشورى بمناطقهم ولتمثيلهم في مجالس المناطق ومجالس المحافظات ونقل وجهات النظر . ويكون هناك ربط قوي بين هذه المجالس. وقد ينتقد البعض هذا التوجه ويرى أنه توجه مناطقي أو إقليمي، وللإجابة على هذا أؤكد بنعم هو توجه للتمثيل المناطقي وهو المتبع عند اختيار أعضاء مجلس الشورى وإن لم يكن معلناً إلا أنه التمثيل المتبع المأخوذ بالاعتبار بعد استيفاء شروط الكفاءة والملاءمة والخبرة وغيرها.

إن فكرة انتخاب جزء من أعضاء مجلس الشورى من مجالس المناطق هي فكرة تحقق مطلب انتخاب أعضاء مجلس الشورى تدريجيا حتى نصل إلى انتخاب عام لنصف الأعضاء ثم إلى نسب متدرجة أكبر، وإن طرح فكرتي اليوم لن يأتي بنوعية من الأعضاء أفضل من تلك التي تختارها الدولة في المجالس الماضية والحالية، فاختيار الدولة لا شك أنه اختيار متميز لأفضل الأعضاء من رجال الدولة كفاءة وعلماً وخبرة وتمثيلاً لجميع المناطق والمدن والقرى والقبائل والمذاهب.

ولن تستطيع الانتخابات أن تأتي بأعضاء بتلك الكفاءات والنوعية، لكنها الديموقراطية وأرى أنه ليس بالضرورة أن يكون جميع الأعضاء متميزين أو من حملة الدكتوراه أو وزراء ووكلاء أو ألوية عسكريين وعلماء ومشايخ، وإنما من الأصح أن يكون المزيج موجودا وتجربة انتخاب نصف الأعضاء من مجلس المناطق قد تكون حلاً بديلا متدرجاً.

إن توسع حجم المناطق واتساع رقعتها وزيادة متطلباتها تدفعني دائماً إلى طرح بعض الأفكار الاجتهادية التي آمل أن تحظى باهتمام صاحب القرار.