الدكتور جمعان عبدالكريم أستاذ اللسانيات المشارك بجامعة الباحة، يشبه طيور الأرق، لا يهدأ أو يستكين عن مشاكساته ومشاغباته حد المصادمة، متطرف أحياناً حين يبوح بمكنون آرائه فينحدر كريح جبلية ضاغطة، فهو يستمد سطوته من مرجعيته التنظيرية، التي تخذله أو توهمه بحمولاتها الذهنية والعاطفية. يحمل مفهوماً للتجديد وسمات المجدد، مما يجعله يطرح عدداً من المساءلات التي تثير عليه حفيظة الآخرين نظراً لاختلاف المستوى المفاهيمي بين ما يعتقده ويتصوره، وبين وعي الأفق التقليدي المحافظ في نظره. أمعن الدكتور في احتكاره وتفسيره لمفهوم التجديد، مما جعله يطمس مراحل، ويلغي تجارب، من خلال مقارباته التي حسم فيها رهانات يصعب تصديقها، فقد أعمل أدواته النقدية، لينسف مرحلة تاريخية ويجهز على مكانة شاعر اتسم بالعمق والمغايرة وتجليات اللحظة والتماهي مع العصر دون أن يقع فريسة للقطيعة أو الانفكاك من موروثه ومعياريته، إلى جانب نزوعه الإنساني والكوني، فأنت أمام مائدته الشعرية تشعر بحسيس الشعر، وحركة التجاوز، واستنهاض الموروث. لا أعرف ما هو الفهم الخاص الذي يفضي إلى الكيفية التي يرى بها الدكتور الشعر، فقد سقط الشعر ضحية النظرة التجزيئية والابتسار والحفر تحت ما هو شعري من خلال خطأ نحوي أو زحاف وعلة. إن الفضاء المفتوح الذي دونه محمد الثبيتي، والاحتدام اللغوي، وتخليق مشهده الشعري، وصبغه الشخصيات التاريخية أو استبطانها والتواشج الحميمي معها، وطفراته وابتكاراته ومغامراته الشعرية، تجعل تبخيسه وإسقاطه من قائمة النسيج الإبداعي الفاره عملاً خاسراً ومستحيلاً وعشوائياً. إن الاقتراب من كونه الشعري المتماسك، وتدفقاته اللامتناهية، يكشف عن شاعر تشرّب الشعر وأرسله في عروق ومسامات الجوهر من الحياة والوجود. ففي لغة متوترة، وظلم فادح نسف الدكتور جمعان ذلك الكائن الشعري الضخم المدعو محمد الثبيتي وقال عنه: (من هؤلاء الذين أحرقتهم المرحلة محمد الثبيتي الذي استثمر مشروع شاعر حتى آخر قصيدة كتبها). (الثبيتي مشروع شاعر وليس شاعراً). (قاموس الثبيتي محدود وفقير ويدل على الفقر اللغوي الشديد). (لا شاعر كبيراً ظهر حتى الآن في المملكة العربية السعودية). وغير هذا من الحرائق التي أشعلها الدكتور في غابات الشعر السعودي، وبهذه الأحكام الجاهزة والصاخبة والعناد المجحف يدمر الدكتور الذاكرة الشعرية، ويقتل كل الآباء الشعريين بوحشية جارحة، ويخدش عقولنا، والقصي من عواطفنا حين كشف لنا أن تلك القبائل الشعرية كانت تخدعنا بعد أن أصغينا إلى توقها وذوب مشاعرها، وأن ذلك الركام من القول لم يكن إلا ثرثرة أسلاف، وسجع كهان هذا ما أراد قوله لنا الصديق جمعان.