جاء الفرق بين الكلمة والحقيقة في أكثر من موضع من القرآن (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) فهنا نجد الحقيقة بثقل السلطان، أي التأثير في الواقع.

وبين الكلمات التي لم ينزل بها الرب من سلطان وحقيقة وأثر ومتأثر بل تمثل الكلمات لونا من الغبار المضبب للرؤية، المضل عن سواء السبيل.

وأذكر أنني كنت في زيارة لبلد عربي فلاحظت الحماس لشعارات وصور بلغ بأصحابها أن حجبوا مساحة الرؤية الخلفية للزجاج الخلفي بها تأكيدا على ولائهم اللانهائي للمذكور.

ومع أن هذا التعتيم للرؤية مخالف لقواعد المرور في كل العالم منعاً للحوادث حتى يستطيع السائق أن يرى خلفه بوضوح؛ ولكن من يتجرأ فيأمر سائق السيارة أن يزيل الشعار؟

وأنا شخصيا احترت في التفسير وذهبت أحلل الموضوع بقواعد عقلية أن الذي يحكم على معنى الشعار ليس الاستنباطات العقلية بل الواقع.

ومن انفصل عن الواقع انفصل عن التاريخ.

واشتهر عن الإمام علي كرم الله وجهه قوله (كلمة حق أريد بها باطل). وهنا يوظف الشعار الديني في السياسة بذكاء.

وأتذكر نفسي في نيويورك كيف انتشرت الأعلام الأميركية بعد أحداث سبتمبر تضامناً مع الدولة، ولكن من اشتد في رفع العلم لم يكن الوطني بل المنافق دفعاً للشبهات عن نفسه.

وبقدر النفاق بقدر التظاهر؛ فهذه آلية سيكولوجية تعويضية عند المنافقين يفعلونها وهم لا يشعرون، كما وصفهم الرب في مطلع سورة البقرة وهو يستعرض أصناف الخلق الثلاثة فخصص أربع آيات للمؤمنين، واثنتين للكافرين و13آية للمنافقين، أي ستة أضعاف ونصف ما شرح عن الكافرين بسبب غموضهم واختلاط أمرهم ومواقفهم. فالإيمان مشرق لامع والكفر أسود كالح والنفاق لون رمادي ضبابي.

وحين تتحدث مع إنسان تعرف أنه غير صادق مع أنه يحلف والقرآن يعلمنا هذا القاعدة عن قوم أنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون.

ومن بنى (مسجد الضرار) كان المنافقون فأمر الله نبيه أن لا يقيم فيه أبداً، ومع أنه مسجد فقد أمر الله رسوله بهدم المسجد لأن العبرة ليس في الشعار والبناء بل (الوظيفة) التي من أجلها خلق.

والحيوانات في الغابة تتظاهر بالموت وهي ليست ميتة لغرض التمويه، فهذه آليات للحفاظ على النفس وسنة البقاء.

والحرباء تلون نفسها حسب البيئة، وهي حكمة في التكيف والبقاء.

وفي بلاد ثورية تم توظيف ثلاث كلمات (الوحدة والحرية والاشتراكية) فكرسوا الانفصال وساد الفقر وقتلت الحرية قتلاً.

وفي بلاد أخرى رفع اسم (الشعب) والجماهير شعاراً؛ فلعن الشعب وخسف بالجماهير في وهدة الفقر والاستبداد.

ولعبة الشعارات والرموز قديمة.

وكان يكفي اعتقال مسيحي أيام نيرون لوجود شعار صليب أو سمكة على ملابسه.

وكل حزب عنده شعار وعلم وتحية يعرفون بعضهم بعضا فيها، مثل الصليب المعقوف عند النازيين، وكلمة الرفاق عند الشيوعيين مع أنه مصطلح قرآني (وحسن أولئك رفيقا).

كما يعرف الماسونيون بعضهم بطريقة سلام معينة. والشواذ من الرجال من مشية خاصة وحَلَق في الأذن وملابس خاصة يعرف بعضهم بعضا فورا.

وهناك من المسلمات في الغرب من تعرف بغطاء الرأس ولو كانت في باقي ملابسها لا تختلف عن ممثلة. فهذه هي قوة الشعار.

وتحدث القرآن عن تلك (الأسماء) التي لم ينزل الله بها من سلطان.

وأعظم أعداء المسيح كانوا (الكتبة والفريسيين) وهم من رفع شعار التقوى والتدين؛ فكان المسيح يحذر الحواريين منهم ويصفهم بالقادة العميان الذين يطوفون الجبال والسهول ليلقوا شباكهم فيصطادوا تابعاً جديدا لجهنم.