كلمات أثلجت صدورنا، قالها أمير منطقتنا (مكة المكرمة)، ونحن على ثقة تامة أن أميرنا قادر إن شاء الله على إعادة مدينة جدة لسيرتها الأولى، ولكن هناك أمرا يجب أن نعيه جميعا، وهو أن هناك أعداءً للنجاح، وسوف يبذلون قصارى جهدهم لعرقلة مسيرات الإصلاح في كل مكان وكل زمان!
أعداء النجاح هؤلاء لا يهمهم إصلاح مدينة جدة، بقدر ما تهمهم مصالحهم الخاصة، فهم قد يزيفون الواقع ويكذبون ويدلسون وينافقون، ويرمون عرض الحائط بكل معنى للوفاء والإخلاص، المهم في عرفهم ومذهبهم هو تنفيذ جداول الأعمال الخاصة بهم التي تلبي تطلعاتهم.
من المثير للاستغراب، الخبر الذي بثته وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 18 جمادى الأولى من هذا العام، والذي يشير إلى أن المملكة العربية السعودية سجلت إنجازا عالميا بعد فوز شركة المياه الوطنية بالمركز الأول وحصولها عالميا على جائزة أفضل مشروع بيئي لعام 2011 عن مشروع تجفيف بحيرة المسك بمحافظة مدينة جدة! وجاء ذلك خلال مؤتمر جوائز المياه لعام 2011 الذي أقيم مؤخرا في العاصمة الألمانية برلين، حيث قدم الأمين السابق لهيئة الأمم المتحدة كوفي عنان الجائزة للرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية! وهنا أسأل: ماذا يقول كوفي عنان لو زار كورنيش مدينة جدة وسألكم عن الروائح الكريهة المنبعثة منه؟ هل ستروجون مقولتكم الشهيرة إن هذه رائحة البحر؟ وحاشا للبحر الطبيعي أن تكون له مثل هذه الروائح! ماذا ستقولون له عن أكثر من نصف مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي تقذفون بها مع إشراقة كل صباح على سواحل منطقة الخمرة؟ ماذا ستقولون له عن محطة معالجة وادي عُرنة التي دفعت الحكومة على إنشائها حوالي 800 مليون ريال، والتي لم تعمل حتى يومنا هذا؟ ومياه الصرف الصحي تخرج منها دون أدنى معالجة، وتنساب في وادي عُرنة حتى تصل البحر الأحمر؟ وكيف تم استلامها من المقاول وهي لا تعمل كما ينبغي لمحطات المعالجة أن تعمل؟ أنا لم ولن أتجنى على أحد، فعندي من الصور الفوتوجرافية العديدة التي تثبت ذلك، ماذا ستقولون لكوفي عنان عن الروائح الكريهة المنتشرة في جميع أحياء مدينة جدة من أقصى شمالها وحتى أقصى جنوبها ومن أقصى شرقها حتى أقصى غربها؟ ماذا نقول لكوفي عنان لو سألنا عن المصداقية؟ ماذا نقول لكوفي عنان لو سألنا عن الوضع البيئي في مدينة جدة؟ هل نكذب عليه؟ لماذا نضع بلادنا في هذه المواقف الحرجة؟ صدقوني مهما حاولنا طمس الحقيقة فلن نفلح! لماذا لا نواجه الحقيقة ونعترف بخطئنا؟ ونحاول تحديد أبعاد مشاكلنا البيئية؟ لماذا لا نحاول أن نضع الحلول لها بما يتناسب مع مقوماتنا البيئية والاجتماعية والمادية؟
التلوث بمياه الصرف الصحي يا شركة المياه الوطنية في مدينة جدة أصبح حقيقة ذات أبعاد واضحة لا ينكرها عاقل! وأصبحت هذه الحقيقة تمثل واقعاً وتحديا صحيا واجتماعيا وتنمويا، ليس فقط على مدينة جدة بل على جميع مدن وقرى المملكة العربية السعودية. انظروا إلى المعدلات الخطيرة لمرض الكبد الوبائي بين سكان أهل جدة! انظروا إلى النزلات المعوية التي لم ترحم الصغير والكبير! انظروا إلى المعدلات الخطيرة لمرض الفشل الكلوي! انظروا إلى معدلات الإصابة بالأورام الخبيثة!
وسأسرد لكم بعض الحقائق عن مياه الصرف الصحي علّها توضح لكم خطر التلوث بها، فمنذ حوالي عشرة أعوام تقريبا، قمت بعمل بحث عن التلوث بمياه الصرف الصحي في ميناء جدة الإسلامي، ساعدني في ذلك مدير شركة كنداسة لتحلية المياه المهندس فوزي خبحب جزاه الله عني ألف خير، جزء من هذا البحث يتعلق بالتلوث البكتيري، واستخدمت في البحث البكتيريا Escherichia coli كمؤشر للتلوث، النتائج كانت مذهلة، فأعداد البكتيريا لم نستطع حصرها، وكانت في أقل تقدير حوالي 10 ملايين خلية بكتيرية في 100 ملليلتر من الماء، وفي قياس آخر انخفض هذا العدد إلى حوالي مليون خلية في كل 100 ملليلتر من الماء، السبب في هذا التباين في أعداد البكتيريا عائد إلى اتجاه الرياح، فعندما كان اتجاه الرياح جنوبيا إلى جنوبي غربي، كانت الزيادة واضحة في عدد البكتيريا، والسبب يعود إلى دفع الرياح للمياه الملوثة بمياه الصرف الصحي تجاه الشمال، وانخفضت نسبة أعدادها عندما كان اتجاه الرياح شماليا إلى شمالي غربي، والسبب يعود إلى الاختلاف النسبي في التلوث العضوي بين شمال وجنوب سواحل جدة.
ولو أجريت نفس البحث الآن فإني لن أجد اختلافا بين أعداد البكتيريا سواء كان اتجاه الهواء شماليا أو جنوبيا، والسبب بالطبع يعود إلى ارتفاع نسبة التلوث في الكورنيش الشمالي.
هناك الكثير فيما يقال عن حقائق التلوث في مدينة جدة.