قال رسول حمزاتوف مرة: "هذه أرض ليس بها أغنيات.. فلنتجاوزها"، كانت هذه العبارة في روايته الكبيرة والعظيمة "بلدي داغستان".. إذن فلسنا نحن من يتأثر بالطبيعة وشكلها فقط، هي أيضاً تفعل. حين تجدب النفوس ويخلو وجدانها من الإيقاع والصوت والحلم، فإن الأرض تجدب تبعاً لذلك. البشر الذين يستبد بأرواحهم القحط لا يمكنهم أبداً أن يقيموا الحياة، حيث لا يقدرون على أن يزيدوا سعة هذا الكوكب ولا عمارته!.
مذ مست قدما الإنسان تربة أرضنا الكبيرة منذ آلاف السنين، كان على الدوام إذا تعب.. غنّى، وإذا فرح غنى، وإذا تألم غنى، وإذا جاع، وعطش، وحلم، وأحب، واشتاق، وغضب.. غنّى، يغني مع أمه وهو في حجرها، يغني بمفرده، يغني مع آخرين من حوله، يغني مع غرباء، ويغني مع شعوبٍ بأسرها وعن بكرة أبيها، عندما حدث وغنّت في لحظة كبرى من لحظات تاريخها، بصوتٍ واحد وكلماتٍ واحدة، رأينا هذا المشهد في تونس ومصر، وهناك شعوبٌ أخرى تتجهز لأغنياتها في ليبيا واليمن وسوريا. الأغنيات هي اللغة العليا التي ترفع الروح من واقعها إلى غيمة رحيمةٍ فوقها، هكذا كان الإنسان وسيبقى، مهما خرجت أقاويل تريد أن تحيل الروح البشرية إلى شيءٍ أبكمٍ وأصم، لا يؤثر به جمالٌ ولا يخلق شيئاً غير ثرثرات الموت وظلمته القاحلة!.
ولد رسول حمزاتوف بقرية سادا 1923 بجمهورية داغستان. كتب الشعر وهو في التاسعة من عمره، صدرت له عشرات الكتب مثل (قلبي في الجبال - النجوم العالية - المشهد الأخير - عجلة الحياة - أيام القوقاز العاصفة.. إلخ) لحنت أشعاره و تغنى بها مشاهير الغناء في روسيا وداغستان وحاز رسول على عشرات الجوائز والأوسمة، بما فيها جائزة أعظم شاعر في القرن العشرين، وبعد مجده هذا كله قال مرة: "الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كل الكلمات التي قلتها".
إليكم هذه الأغنية الجميلة لرسول حمزاتوف: "حبيبتي.. إن كان هناك مئة مخلوق في العالم يُحبونك/ فاعلمي أن حمزاتوف أحدهم/ وإذا كان الذين يحبونك عشرة فقط/ فتأكدي يقيناً، بأن رسول حمزاتوف، هو أحدهم أيضاً/ أما إذا كان لا يحبك في هذه الدنيا، سوى مخلوق واحد/ فاعلمي أنه حتماً، سيكون رسول حمزاتوف/ أما إذا كنتِ حزينة ووحيدة/ لأن لا أحد يحبك في هذا العالم/ فاعلمي أن رسول حمزاتوف قد مات".
http://www.youtube.com/watch?v=uEXkWCtymeY&feature=related
أظن مثل حمزاتوف أن هنالك نفوساً ليس بها أغنيات.. فلنتجاوزها!.