الشكل الكروي المصمت هو برأيي أفضل ما يمكنه أن يصف موقف الأفراد في مجتمع ما غير مجتمعاتنا العربية من تفاصيل قضية واحدة. فتجد وجهات نظر متشابهة ومشتركة وأخرى متضادة ومتنافرة حول نفس القضية، بحيث تختلف قيم نفس الأفراد في نقاط معينة وتشترك في نقاط أخرى مع مجموعة ما تحمل بدورها نقاط اتفاق مع مجموعة أخرى، وهكذا، مما يجعل الطرح الفكري ثريا، ومعقدا دون أن يمس بأصحاب الفكر نفسه أو مضاديهم، ليصبح تعايش الناس مع بعضهم أمراً ممكنا. فيصعب على مراقب المشهد العام تقسيم الناس وتصنيفهم بناء على أفكارهم.
في واقع الثقافة العربية الحالي، تأخذ خلافاتنا الفكرية - ما يتعلق منها بالدين خاصة- الطابع الحدي المنفصل، مما يوجد منظومات قيمية مغلقة؛ من يختلف معها أو مع أجزائها الرئيسة يجب دعوته أو إرغامه على التغيير، أو نعته بصفة تحمل كل الآثام، ومن ثم محاولة إقـصاء فكره.
ولو أردنا تصوير هذا النمط من الصراعات الفكرية فإن الشكل المستقيم هو الأقرب للذهن، فقط من يتفقون على نفس المفاهيم بتفاصيلها يحتلون نقطة من الخط المستقيم، ويصفون أ نفسهم بالأصح وبأنهم أهل الوسطية، أما ما قبل تلك النقطة فيوصف بالتطرف وما بعدها بالانحلال، مما يكوّن منظومات فكرية مغلقة ومتتالية، فلا تتقاطع على أساس أن المعتقد مشترك، لكن الفهم مختلف، ولا تتواجه بناءً على أن المعتقد قد يكون مختلفا، لكن هناك قيما مشتركة.
ويتصف هذا الوضع بثلاثة أمور، أولاً أن كل مجموعة فيه تعيش وضعين متناقضين في ذات الوقت، فكثيراً ما نسمع عندما ننزلق في نقاش قضية ما من منظور ديني من يطالبنا بالاستغفار، وفي حوار آخر من يصفنا بالتزمت. والأمر الثاني هو أن كل فرد في هذا الخط يمارس مستوى من الحرية، يبيحه لنفسه، لكنه يغلقه على من يليه. فأصحاب النقاب يرون أن التغطية التامة للمرأة تطرف، لكن كشف الوجه حرام، ومن يؤمنون بكشف الوجه يرون الغطاء كاملا والنقاب تطرفا، لكن ارتداء ملابس ضيقة حرام، وهكذا. الأمر الثالث والأخير هو أن الفكر الحاد تجاه المفهوم الذي يشكل العلامة الفارقة في ثقافتنا، يجعلنا كمجتمع في حالة دائمة من التوتر، تهدأ وتغلي حسب الدعم النفسي والاجتماعي الذي تتلقاه كل فئة.