عُرِف الباحث اللبناني جان داية بالدقة في تقصي حقائق الموضوعات التي يتناولها وتفاصيلها إلى درجة أكسبته وصفا عند بعض المهتمين بهذه الشؤون بأنه "يفلّي النملة" أي لا يترك مجالا لا يتأكد منه كما "يفلّي" الإنسان شعره تنظيفا له مما قد يكون علق به.

كتاب داية عن الشاعر والكاتب السوري الساخر حمل عنوانا مركبا هو "محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي: مع نصوص مجهولة: غرام في سن الفيل، وستين قصيدة ومقالة".

جاء الكتاب في 384 صفحة متوسطة القطع مع عدد من الصور للماغوط وبعضها يظهره مؤديا التحية الحزبية عندما كان عضوا في الحزب السوري القومي الاجتماعي. وصدر عن مؤسسة "فجر النهضة" للنشر في بيروت.

وتعبير "صوبيا" يعني المدفأة التي يتقي الإنسان بها برد الشتاء. ويتذكر من عرف الشاعر الساخر في الحزب السوري القومي الاجتماعي أن حماسته المفرطة للحزب في أواخر خمسينات القرن الماضي قد ورّطت الحزب في دعاوى قضائية وطلبات تعويضات مالية بسبب حملات الماغوط الشديدة السخرية على سياسيين من خصوم الحزب.

والماغوط الساخر حتى من نفسه لم يسلم حزبه وبعض رجاله من السخرية حتى خلال عمله النشيط فيه. وسئل الماغوط مرة في سنواته الأخيرة بعد أن توقف عن انتمائه الحزبي عن سبب انتمائه إلى الحزب فقال ساخرا كعادته: "إنه لفقره، كان خلال صباه في مدينته السلمية في سوريا يلجأ إلى مكاتب الأحزاب ليتدفأ؛ وكان لدى الحزب في مكتبه في السلمية "صوبيا" لم تتوفر لغيره من الأحزاب فانتسب إليه. لكن السجلات الأدبية وذاكرة من عرفه في الحزب تعرف أن حماسته للحزب كانت كما قال أحدهم بحاجة "إلى ثلاجة" لا إلى مدفأة. وقد هرب الماغوط إلى لبنان بعد مطاردة السوريين القوميين إثر اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق عام 1954.

وفي لبنان خاض الماغوط أشرس المعارك القلمية مع خصوم الحزب وكتب ما يعتبره بعض النقاد من أفضل نتاجه الشعري وسخريته إن لم يكن أفضله على الإطلاق. ومن ذلك قصائد مجموعته الشهيرة "حزن في ضوء القمر" وأعمال عديدة أخرى أورد كتاب داية قسما منها. جاء في كلمة الناشر على غلاف الكتاب وصف على طريقة "ما قلّ ودلّ" إذ قال: "يتوزع القسم الأول من هذا الكتاب بفصوله السبعة على حياة محمد الماغوط الحزبية التي بدأت عام 1950 واستمرت 12 سنة. واحتراف العمل الصحفي في "البناء" البيروتية وغيرها من دوريات الحزب القومي وبعض الصحف الأخرى، إضافة إلى أدبه الملتزم والمتميز بسخريته الفطرية". ويتضمن القسم الثاني عشرات القصائد والمقالات ورواية "غرام في سن الفيل" وهي من بواكيره المجهولة. "أما صوبيا الحزب القومي التي نوه بها الماغوط أكثر من مرة فقد أمّنت له الدفء الروحي وفجرت سخريته الكامنة".