تُعتبر حرب العصابات من أكثر أشكال الصراع المسلح انتشاراً وشيوعاً بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة منذ عام 1949، وذلك نتيجة التغيُّرات على المسرح الدولي على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية. رغم تلك الحقيقة، بعد حرب فيتنام وتوازن الحرب الباردة، لم تهتم المؤسسة العسكرية الأمريكية بظاهرة التمرد المسلح بشكلٍ كافٍ واعتبرتها مجرد حالة جزئية من حالات الصراع العسكري الشامل الذي تخوضه الجيوش النظامية لتحقيق أهداف محددة.
ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر، اكتسبت حرب العصابات والعصيان المُسلَّح أولوية كبيرة. وتعتبر حالياً مكافحة العصيان المُسلَّح الهدف الأول للعمليات العسكرية في كلٍ من العراق وأفغانستان، ولكن عندما تنتشر الجماعات المسلحة في بلد ما، ما هي الأساليب التي تعطي الحكومة أفضل فرصة للتغلب على التمرد؟ حول هذا الموضوع، نشرت مؤسسة "راند" الأمريكية للأبحاث دراسة في شهر يوليو الماضي تناولت فيها أنجح السبل التي يمكن اتباعها لمكافحة العصيان المُسلَّح.
يستند بحث راند إلى دراسة 20 وسيلة مختلفة لمكافحة التمرد المُسلَّح، وتستند النتائج والتحليلات إلى دراسة مفصلة لـ 30 حالة من حالات التمرُّد المُسلَّح في أماكن جغرافية متنوعة (جبال، وغابات، وصحارى، ومدن) وفي إطار مناطق وثقافات مختلفة (أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وآسيا الوسطى، والبلقان، والشرق الأقصى)، وفيها تنوع في القدرات العسكرية المستخدمة سواء في القوات العسكرية التي تقوم بمكافحة التمرُّد، أو من قِبل الجماعات المسلحة نفسها.
النتائج الرئيسية
حيث إن هذه الدراسة شاملة وواسعة النطاق، فإن النتائج التي تم التوصل إليها كانت غنية ومفصلة. لكن أهم النتائج التي تم تحديدها تؤكِّد أن ممارسات مكافحة التمرد تتم ضمن حزم ومجموعات، حيث إن الذين ينجحون في عمليات مكافحة التمرد يفعلون ذلك من خلال تطبيق مجموعة من الممارسات الجيدة لمكافحة التمرد في وقت واحد ومتزامن وتجنُّب الممارسات السيئة؛ توازن الممارسات الجيدة مقابل الممارسات السيئة ينبئ بالنتائج بشكل ممتاز؛ القمع قد يؤدي إلى تحقيق انتصار مرحلي لكنه عادة لا يحقق انتصاراً نهائياً؛ قدرة الجماعات المُسلَّحة على الحصول على الدعم الملموس (المال والرجال، والمعلومات، والملجأ) تؤدي إلى حصولها على التأييد الشعبي؛ البدايات السيئة لا تعني بالضرورة نهايات سيئة.
التوصيات
توصلت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات من أهمها:
- وضع مخططات تضمن وجود عدة خطوط عمليات يدعم كل منها الآخر في مكافحة التمرد المسلح.
- تشكيل وبناء قوات قادرة على الاشتباك في خطوط عمليات يدعم أحدها الآخر في وقت متزامن.
- ضمان المشاركة الإيجابية للدولة التي تكون مسرحاً للتمرُّد المُسلَّح.
- الاحتفاظ بسجل نتائج يبين التوازن بين الممارسات الجيدة والسيئة، وفي حال كان التوازن لا يتوافق مع النتائج المرجوة، يجب إحداث التغييرت المطلوبة.
- التأكد من وجود وقت لإجراء تعديلات على الخطط الموضوعة في حال دعت الضرورة لذلك.
- تجنُّب ممارسات القمع والاضطهاد والعقاب الجماعي.
- تحديد احتياجات ومصادر احتياجات الجماعات المُسلَّحة المعادية واستهدافها.