باق من الزمن أيام قليلة, وينطلق الموسم الكروي الجديد, وفي مثل هذا الوقت من كل عام نطلق العنان لأمنياتنا بموسم نناهض فيه الخلط بين أخطاء الحكام وعقدة الاضطهاد التي يعاني منها عدد من مسؤولي الأندية تجاه صافرة هذا الحكم أو ذاك.

وكانت نهائيات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت في جنوب أفريقيا واحدة من كبريات المنافسات التي تأثرت بعض نتائج مبارياتها بقرارات الحكم, حتى إن الاتحاد الدولي للعبة اضطر لتقديم اعتذاره لبعض المنتخبات التي تضررت تحكيمياً "دون أن تستعين بنظرية المؤامرة".

"الوطن" فتحت الملف لترى هل استفادت أنديتنا من تلك الأخطاء المونديالية الكارثية أحياناً لتقتنع أن الأخطاء جزء من اللعبة، ولتودع حالة التذمر والاضطهاد وتحميل قرارات الحكام أكثر مما تحتمل، ولتحاول معرفة مدى إمكانية تعايش وسطنا الكروي مع مثل هذه الحالات في الموسم المقبل, من منطلق أن المنافسة الأم عالمياً في كرة القدم (المونديال) هي المرجعية التي أكدت أن الخطأ التحكيمي جزء أصيل من اللعب بالساحرة المستديرة.

وشهد شاهد

الممثل الوحيد للحكام السعوديين في المونديال الأسمر, الدولي خليل جلال رأى أن أخطاء التحكيم في لعبة كرة القدم معاناة مستمرة ولن تنتهي مهما اجتهد الحكام. وقال "الفرق والمنتخبات التي تخسر لقاءاتها في المنافسات المحلية، غالباً ما تبرر لتخرج من مأزق خسارة بطولة، أو فقدان نقاط لقاء ما، بإلقاء الملامة على الحكم ومساعديه، واتهامهم بالتسبب في فقدان أحقيتها بالفوز، والنتيجة في النهاية تخلق أجواء غير صحية بين الجماهير وفي الوسط الإعلامي".

وأضاف "لست ممن يهرب من أخطائه ولا يعترف بها, وأوافق على انتقادي كحكم، ولكن بشرط ألا يحيد هذا النقد عن الأجواء الرياضية ولا يصل لحد الإساءة لذاتي، أو لزملائي الحكام".

وكشف جلال أنه ومن خلال مشاركته في المونديال الأخير، ومع وجود الأخطاء التي دفعت بالمنتخبات للتصريح في وسائل الإعلام، إلاَّ أن أياً من الحكام، ساحة ومساعدين، ومن خلال المحاضرات التي تواجدنا فيها، لمناقشة أخطائنا في المباريات، لم يتعرض لأي نوع من الإساءة أو الضغط النفسي، من قبل المحاضرين أو مسؤولي الاتحاد الدولي، وذلك لدرجة أن المحاضر لم يكن ينطق باسم الحكم الذي وقع بالخطأ، وسط زملائه الحكام، ولم تكن له (المقيم-المحاضر)، سوى عبارة "أنه كان من المفترض على الحكم أن يفعل كذا، أو أن يتمركز هنا أوهناك" .

وتابع "أعتقد أنني كحكم، ومن خلال تلك السياسة المثالية، أصبحت لديَّ قمة القناعة، ومن قبل عمالقة ممثلي الاتحاد الدولي، أن أخطاءنا كحكام، تجاه أي من المنتخبات أو الأندية، ليست محط قصدٍ أو سوء نية تجاه الآخرين، وتبقى في حدود الإطار الفني والتمركز الأخلاقي، وكل ما أتمناه أن تتأصل جذور تلك القناعة في وسط رياضتنا المحلية".


حفظ الكرامة

من جانبه استبعد رئيس لجنة الحكام الرئيسة في الاتحاد السعودي لكرة القدم، الدولي السابق عمر المهنا كلياً مسألة الاعتماد أو التركيز على الأخطاء التحكيمية المؤثرة، التي وقعت في لقاءات المونديال الأخير 2010، كنوع من التبرير المبكر، لرفع الضغط النفسي أو الذهني عن حكامنا (ساحة ومساعدين)، أو تحسباً، لقرارات خاطئة قد يقعون فيها في لقاءات الموسم المقبل، بمختلف المسابقات، معتبراً أن جميع الأخطاء التي تأثرت بها المنتخبات العالمية، جاءت عن غير تعمد، وبحسن نية من جميع الحكام المشاركين، وقال "مسألة التركيز على تلك الأخطاء، سينصب من جانب لجنة الحكام، بهدف الاستفادة منها ومناقشة حيثياتها مع جميع حكامنا في الدورات التي نقيمها الآن، وذلك استعداداً لبدء فعاليات الموسم الكروي الرياضي، وكذا الحال من جانب أن نتعلم كيف يمكن تفادي أخطاء غيرنا قدر المستطاع"، مناشداً في الوقت نفسه، أن يمتثل الوسط الرياضي بمختلف مجالاته، ويعني بقوله "جميع الإعلاميين واللاعبين ومسؤولي الأندية عليهم أن يدركوا تماماً أن لعبة كرة القدم تتوافر فيها ثقافة عالمية، على مستوى الأندية والمنتخبات، وجميعها تهدف نحو مسار واحد، وهو تحقيق مقومات النجاح، والابتعاد عن كل ما يهبط تلك المقومات من ذرائع الفشل أو الوقوع في الأخطاء عن غير قصد. وأضاف إذا ما اعتبرنا أن من واجبات اللاعب السعي الحثيث في إبراز مستواه التهديفي والتألق الفني، بغية إسعاد ناديه وجماهيره، فكذا هو الحال في لجنة الحكام وجميع الحكام والمساعدين، لدينا ذات الاتجاه، في الحرص على تطبيق القانون، وإحكام وتيرة إدارة المباريات، بالشكل الناجح والسليم، دون أي تحيزٍ فكري أو تغليب للميول، ولعلي أشدد على أنه ما من عمل في طبيعة البشر إلاَّ وبه أخطاء وعلينا تقبلها.

وطالب المهنا بأن يحسن الآخرون الظن في الحكم, وقال "لجنتنا لن تمانع بالاعتراف بجميع أخطاء حكامها الواضحة والصريحة، لكن ليس على مستوى الأخطاء التي تدخل في مسألة تقدير الحكم بل بالخطأ الواضح، وبعيداً عن التشهير وألا يستغل هذا الاعتراف للنيل من سمعة وكرامة ونزاهة الحكم كما يذهب البعض ".


هفوات تعزيزية

رئيس نادي الأنصار محمد بهاء الدين نيازي، رأى أن ما حدث من هفوات تحكيمية في المونديال الأخير, يدعو كافة العاملين في كرة القدم إلى تعزيز دور الحكم السعودي, وقال "الحكم الذي ينجح في إدارة أي مباراة، يكون خرج منها بأقل الأخطاء، وليس بانعدامها كلياً".

ودافع نيازي عن أداء الحكم السعودي، وقدرته على تعزيز مكانته محلياً وعالمياً، وأضاف "إذا ما نظرنا لحجم الأخطاء التي ترتكب من الحكم في الدوري المحلي، مع ما حدث في المونديال الأخير، سنستخلص جودة حكمنا السعودي الذي أرى أنه يستحق أن يكون محط الأنظار العالمية".

الخاسر الأكبر

من جهته قلل الزميل الإعلامي رئيس تحرير صحيفة "قووول أون لاين" الإلكترونية خلف ملفي، من مسألة انتقال الوسط المحلي للجانب الإيجابي تجاه ثقته في أداء الحكم السعودي، إذا ما قارناه بحجم الأخطاء التحكيمية المؤثرة التي وقعت من حكام مونديال جنوب أفريقيا، معتبراً أن نجاح الحكم السعودي، مرتبط بمنحه كافة حقوقه، وحمايته من مسؤولي الأندية والإعلام.

وأشار ملفي إلى أن المعضلة الأساسية والخلل في ضبط قوام التحكيم والحكام في مساره الصحيح، يقع على عاتق الإداريين والمسؤولين في الأندية، وكذا الحال مع الإعلاميين بالمؤسسات الصحفية، الذين غالباً ما يوجهون تهمهم تجاه الحكم لخسارة فرقهم في المباريات التي يديرونها بحجة ميوله الرياضية لحساب نادٍ على آخر، متناسين في ذلك موقف الحكم، الذي يرتبط أداؤه بتطبيق قانون اللعبة.

وأضاف "إذا ما افترضنا أن هناك عددا من الحكام ليس لديهم أي ميول رياضية، بمعنى أنه لم يسبق لهم أن التحقوا بأي من الأنشطة الرياضية في الأندية المحلية، فأعتقد أن ذلك سيكون بمثابة الطامة الكبرى، التي ستقع على لجنة الحكام الرئيسة، بسبب أنها قد تبنت حكماً لم يسبق له أن كان لاعباً"، واعتبر ملفي أن قضية الحكم السعودي بمثابة القضية الخاسرة، التي ليس لها من سبيل لتحقيق الانتصار في ظل استمرارية ثقافة الرياضيين الحالية.

واعترف ملفي بأن مواطن إصلاح الخلل، ستظل مرتبطةً بالقيادة الرياضية للاتحاد السعودي، مطالباً بتطبيق عقوبات صارمة بحق المتجاوزين ضد الحكام من شأنها أن تكون سبباً رئيسياً لإعادة الأمور لنصابها الصحيح.

شاطرونا ثقتكم

من جهتهم أجمع حكما الساحة ظافر القرني وعبدالرحمن الأحمري، والمساعدان عادل شراحيلي وخالد عاقل على عزمهم على تقديم أداء تحكيمي مشرف خلال الموسم، مؤكدين على أن ما يفتقدونه هو الثقة الصادقة من الجميع، أسوةً بثقة مسؤولي الأندية في لاعبيهم وكوادرهم الفنية.