عبر موقع يوتيوب شاهدت مقطعا لما وصف بأنه مشهد من حلقة حوارية كانت تبثها قناة الديموقراطية (المستقلة)، ضمت شخصين عراقيين بدا أنهما كانا يختلفان حول أمر ما، وكان (الآكشن) يتخلص في لحظة طلب أحدهما إيقاف البث بالتزامن مع وقوفه، ولكن المتحدث الآخر (بدا سمينا نوعا ما) باغته بوقفة مخاتلة، فالتحم به وكأنه قرأ نواياه، فهجم عليه لكما وشتما، واشتعلت حرب صغيرة، تذكرك بمشاغبات ما بعد المدرسة في أزقة ضيقة لعيال بلا تربية في الشوارع الخلفية، وغدا المشهد جرحا متجددا تتناقله بمرارة وأسى شعوب الإنترنت العربية.
وبالمقابل، كنت للتو قد فرغت من حوار جميل أجرته في قناة دريم، المذيعة الرصينة منى الشاذلي في برنامجها الرصين (العاشرة مساء)، حول قصة الفتاة المصرية (كاميليا) التي قيل أنها أسلمت، فاحتجزتها الكنيسة القبطية، وخرجت بسببها مظاهرات وصفت بأنها فئوية سلفية تطالب بإطلاق سراحها... إلخ.
حقيقة ، أنا لم تثرني القضية الجوهرية قدر ما كان تثيرني أسئلة حرت أمامها طويلا بعد أن ختمت الشاذلي الحلقة ببهاء وهي تنطق بعينين طافحتين أملا ( جمعت الثورة المصرية الأخيرة، المصري السلفي والأخونجي والقبطي، والناصري، واليساري، كلهم كانت أصواتهم تنشد الحرية والعدالة بمقام مصري واحد متناغم، لذا يكون من المحزن أن تذهب كل تلك التضحيات بتناحر التيارات، أو رغبة تيار واحد فقط فرض رؤيته على مجتمع ثار موحدا من أجل التغيير).
لاحظ، المشهد الأول كان أبطاله ينتمون إلى بلد تخلص منذ قرابة عقد من واحد كان يوصف بأنه من عتاولة الديكتاتوريين في العالم، بلد ينتمي لحضارة النهر، المتبوعة بجملة حضارات أقربها الحضارة الإسلامية في أوج أمجادها. بينما المشهد الآخر من بلد للتو تخلص من نظام قديم، كان – كما تصفه الميديا – من أعتى الأنظمة التي يصعب سقوطها، بلد أيضا يضرب بسهم في الحضارة القديمة، وتسطع فيه حضارة النهر.
لكن المشهدين متناقضان استنادا إلى الإرث الحضاري، وتراكمات الوعي على مر السنين. أتصور هذا، لكني لا أملك أي إجابات حول لماذا هما متناقضان؟
لماذا أخفق العراقيون بعد كل هذه السنوات من(الحلم الديموقراطي) في إرساء ثقافة الحوار واجتثاث القسوة والعنف بكل أشكاله؟ ولماذا يبدو المصريون - حتى الآن- قادرين على إدارة حوار متحضر خلاق، يتماهى مع جماليات ثورة أبهرت الكون وشكلت التجسيد الأمثل لحلم لطالما ملأ الجوانح والذاكرة منذ وقت طويل؟ وإلى أي مدى يمكن تصديق مقولات بوجود تيارات أو أفراد يهمها ألا تتم نجاحات الثورة ؟
لم نعد نملك إلا أسئلة، أسئلة فقط.