هيباشيا أو "هيباتيا".. هل تعرفون من هي!؟
إنها من المصريين القدماء وإحدى أهم الفلاسفة القدماء، ولدت في الإسكندرية 370م، وقد تعرفت على هذه الفيلسوفة بالصدفة، حين شاهدت منذ فترة فيلما أمريكيا بعنوان "أجورا" وهو فيلم يستحق المشاهدة بالفعل، دفعني للبحث عن بطلته التي كان يسرد سيرتها كفيلسوفة مصرية وعالمة امتلكت الجمال الأسطوري والعقل والعلم بالفلك والرياضيات، ورفضت حتى الزواج رغم إعجاب الكثيرين بجمالها ورزانتها وأخلاقها في زمنها، وذلك كي تتفرغ للفلسفة والعلم، وكانت متأثرة جدا بالمدرسة الأفلاطونية المثالية، ولا شك أن لوالدها "ثيون" وهو عالم رياضيات وفيلسوف أثرا في دفعها حتى باتت أصغر محاضرة والمرأة الوحيدة في مكتبة الإسكندرية في ذلك الزمن، لها حلقات علمية وتلاميذ من الشباب، بل كانت آخر شعاع العلم والفلسفة لهذه المكتبة التي دمرها المسيحيون المتطرفون في الزمن الروماني، طاعة لكاهنهم الذي كان في صراع مع العلم والفلسفة إبان نشر المسيحية على اعتبارها من بقايا الوثنيين اليونان، ولهذا أحرق المتطرفون الكتب والمخطوطات ودمروا المكتبة وحولوا ركامها إلى حظيرة حيوانات، في الوقت الذي قتلوا فيه هيباشيا عام 415، حين كانت تمشي عائدة إلى بيتها، على اعتبارها ساحرة وكافرة كونها بقيت على ديانة اليونان القدماء أو بالأحرى علومهم، فاعترضوا طريقها وجروها إلى الكنيسة وقتلوها طعنا ورجما، ومثلوا بجسدها بشكل بشع، كي ينفروا الناس من العلم والفلسفة اللذين كانت رمزا لهما بدعوتها للتفكير الحر والفلسفة والعلم.
وبصراحة قبل معرفتي بها، كنتُ أتساءل: معقول ليس في التاريخ البشري فيلسوفة!؟ على الرغم من أنّ كلمة "فلسفة" كلمة أنثوية، إلا أنّ "التاريخ" كلمة ذكورية، لم يهتم إلا بتوثيق اشتغال رجاله، والتاريخ نفسه كتبه الرجل منذ القدم، لأنه سبق المرأة إلى فعل الكتابة، وحتى في الزمن الحديث، فبين يدي كتاب بعنوان "الموسوعة الفلسفية" مترجم في أكثر من 600 صفحة، لم يهمل ذكر فيلسوف رجل كبرت أو قلت أهميته، قديم أو معاصر، لكنه لم يقدم اسما لامرأة واحدة فيما تصفحتُه على أنها فيلسوفة!! هذا هو التاريخ "الذكوري" لا يهتم بترديد أو كتابة اسم لفيلسوفة كما ردد مرارا وتكرارا أسماء فلاسفة كفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وبارمنيدس وهرقليدس واريستارخوس وغيرهم من الفلاسفة القدماء، فمن كتبوا تاريخ تلك الحقب من أهله لم يروا في المرأة سوى مجرد "خُـبـز" يستمتع الرجل بتناوله ويعينه على الحياة، وهو أمر طبيعي نتيجة تأثير التراث اليهودي الديني المُحرّف، الذي كان له أثر كبير على المجتمعات الإنسانية وما يزال، فاليهود مارسوا التمييز ضد المرأة باعتبارها مخلوقا للمتعة فقط، وحرّفوا صورتها في الدين لدرجة أنهم أوصلوها إلى أنها مخلوق نجس حتى حرموها من الصلاة بدار العبادة.
المحزن أنه لا فرق بين من كتبوا تاريخ ذلك الزمن بموقفهم تجاه المرأة وبين من يكتبون تاريخنا اليوم، رغم التطور العلمي والتقني، فعدة كتب تصفحتها لمثقفين سعوديين يؤرخون ويسردون عن هذا المجتمع وكأنه ذكور فقط، وأخيرا حتما أن الفيلسوفة هيباشيا أو هيباتيا لم تكن الأولى ولا الأخيرة، ولكن هذا هو التاريخ الذي لا يدون سوى رجاله!.