لم تتجاهل الفضائيات العربية الإخبارية أول من أمس رغم متابعتها المستمرة للأحداث المأساوية الجارية في أكثر من بلد عربي، مراسمَ حفل زواج ملكي تتفاخر بريطانيا، كما جاء في صحفها، بأنها من خلاله "ما زالت قادرة على تنظيم حدث عظيم يثير حماسة العالم بأسره".

يوم الجمعة المرعب بمظاهراته الهائلة، ملأ فيه الملايين أول من أمس شوارع لندن، ممن لم يخرجوا للمطالبة بالحرية، بل ليستمتعوا بمراسم عرس ملكي لا يتكرر إلا كل عدة عقود، مصحوب باهتمام إعلامي لم يحدث من قبل إلا يوم زواج الأمير تشارلز والأميرة ديانا قبل 30 عاماً.

وفيما كانت صدور مواطني بعض الشعوب العربية - ممن لم يعنِ لهم العرس الملكي شيئا - تتلقى رصاص رجالات الأنظمة، كانت صدور أكثر من ملياري شخص على الكرة الأرضية تنعم بالراحة وهم يتابعون عبر الشاشات الحدث الذي انتظروه مدة طويلة، لكن تلك المدة ليست إلا قطرة من بحر المدة التي انتظر فيها الحرية مَنْ تلقفت الشوارع العربية هتافاتهم بعد أن اكتشفوا أن لهم صوتاً يمكن أن يسمع إن تجمعوا ووحدوا صفوفهم، فكان أن افترش بعضهم الأرصفة اعتصاما إلى أن تتحقق الغاية.. فيما على الطرف الآخر من الكرة الأرضية نصب آلاف الناس خيامهم وافترشوا الأرصفة أياما طويلة بانتظار تحقيق حلمهم بمشاهدة مراسم زواج الأمير "ويليام" وعروسه "كيت".

وفيما كانوا يلفون شهداء الحرية العرب بـ"الأبيض" قبل دفنهم، كان ويليام منبهرا بفستان عروسه "الأبيض" الذي كان من أسرار الدولة قبل موعد ظهوره.

ولعل المفارقة الأبرز بين الحالين كانت عند الساعة 12.25 بتوقيت جرينتش لحظة خرج الأمير "ويليام" و"كيت" إلى شرفة القصر ليتبادلا أول قبلة "رسمية"، ففي اللحظة ذاتها كانت بعض الشعوب العربية تتلقى آلاف الرصاصات "الرسمية" من جيوش أنظمتها وعناصرها الأمنية.. وشتان ما بين حالتين، كلتاهما "رسمية".