أمام هذا الأداء المرتبك للجنة العامة للانتخابات البلدية، يبدو أن اللجنة بحاجة لأن يتم انتخابها أولا، وأن تتشكل من مجلس يضم ممثلين من جميع البلديات في مختلف مناطق المملكة أو أن يتم تشكيل لجنة مستقلة، على الأقل سوف يستريح الإعلام وتستريح مسامع المواطنين من تلقي تلك التبريرات التي لا قيمة لها عن ما تقوم به اللجنة من إخلال واضح بالقيمة الأبرز للانتخابات وهي المشاركة الشعبية العامة، حينما تحول اللجنة مشاركة المرأة إلى أحجية وسر خطير تحت دعوى: عدم اكتمال التجهيزات.
رغم أن سؤال الصلاحيات هو أكبر الأسئلة التي يتم توجيهها للانتخابات البلدية في السعودية، إلا أن ثمة منطقا غير واضح في كثير مما يصدر من تصريحات عن اللجنة العامة للانتخابات البلدية، إذ يظهر في خطابات مسؤوليها ما يجعل منهم مجرد منتجين للعوائق وليسوا أصحاب حلول، بل يظهرون وكأنهم يريدون تشتيت انتباه الجمهور عن الأسئلة المحورية إلى قضايا يفترض بها أن تكون جانبية، المزعج أن كل هذا الأداء السلبي يتم بحماس بالغ.
لن يسأل المراقبون ولا وسائل الإعلام عن الصلاحيات بقدر ما سيسألون عن مشاركة المرأة، ليس لأنها المحور الأبرز في العملية ولكن لأنها الشرط الأبرز من شروط إنجاح أية مشاركة شعبية في صنع القرار، ذلك أن معنى المشاركة لا يمكن أن يستقيم أصلا إلا بمشاركة الجميع، وحين عقدت الدورة الأولى للانتخابات في العام 2005 كان المناخ ملائما لأن تبدأ التجربة بداية كاملة وتم إقناع الناس بأن حداثة التجربة قد تفرض علينا التضحية ببعض شروطها نظراً لأنها التجربة الأولى، فانطلقت الانتخابات وهي تحمل في ذاتها خللا محوريا، كان الجميع يتطلع لأن يتم تجاوزه في الدورة الثانية.
السعوديون أكثر تقبلا من غيرهم لفكرة أن أحدا ما في مكان ما يعلم ما لا يعلمون، وهي ثغرة ثقافية اجتماعية بدأ يدركها كثير من مسؤولي الصف الثاني في كثير من مؤسساتنا وباتوا أكثر حماسا لتعليق أعذار ومبررات لا مكان لها في الواقع اليومي، وأبرز تلك المبررات القائمة الآن هو مبرر عدم الجاهزية لمشاركة المرأة في الانتخابات، والذي لا بد لمن يقولون به أن يدركوا أنه لن ينطلي على أحد، وإنما سيزيد الناس قلقا وخيبة في التعامل مع الملف الانتخابي، خاصة إذا لاحظنا أن كل المبررات التي يتم سوقها في مختلف القضايا المتعلقة بالمرأة لا مكان لها كالفتنة والاختلاط والتبرج – مع ما في هذه المبررات من عمومية وافتقار للضبط الفقهي والعلمي – ولا حتى المبرر الشهير الخاص بالعادات والخصوصية، وهو ما جعل اللجنة العامة للانتخابات تبتكر هذه المبرر الجديد وهو: عدم وجود تجهيزات ملائمة للمشاركة النسائية في المراكز الانتخابية.
يبدو إذن أننا أمام تقصير بيروقراطي، فعدم وجود التجهيزات يمثل خللا تنظيميا وليس مبررا، وهو أشبه بأن يتم إقفال مدرسة بسبب عدم اكتمال التجهيزات أو يتم وقف خدمة الناس في المستشفيات بالحجة ذاتها، ليصبح المشهد هنا مشهد تقصير وعدم التزام وإخلال بخدمة المواطنين، وإلا أين ذهبت سبع سنوات تفصلنا عن الانتخابات السابقة في دورتها الأولى، ولماذا لم يقم المسؤولون عن الانتخابات طوال هذه الفترة بإكمال ما يلزمها من تجهيزات، ولذا يصبح تصريحهم الذي أرادوه حجة ومبررا وانكشافا وفضحا لقصور إداري وتنفيذي واضح، وبخاصة مع ما فيه من عمومية وارتجال وتسطيح، ومحاولة لرمي الكرة دون أي اتجاه، وتشتيت المسؤولية عن عدم الجاهزية، وهو ما تنبه إليه الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف أمين منطقة الرياض حين قال بأن الرياض جاهزة لمشاركة المرأة حينما وجه إليه سؤال عن الحجة الباهتة التي ترددها اللجنة العامة للانتخابات، والتي تضيف بأن ثمة لجنة تقوم حاليا بدراسة موضوع مشاركة المرأة في الانتخابات، بالطبع دون توضيح لحقيقة ونوع ما يدرسونه، هل هي فكرة المشاركة من عدمها أم الاستعدادات لتلك المشاركة أو لعله البحث عن عذر ومبرر جديد أقل تشتتا من المبرر الحالي.
إن مما يزيد الأمور إرباكا هو هذا المستوى المتردي من اللغة التي يقدمها بعض المسؤولين في سياق المحاجة عن خطأ ما، ولذا يبدأ الناس في التشكيك بمصداقية المشروع بأكمله بسبب مثل هذه التصريحات، ومع أننا قادرون على الدفاع عن فكرة الانتخابات وأنها رغم ما ينقصها تمثل تجربة رائدة في الحياة السعودية إلا أن مثل هذه التصريحات تربك ثقة الناس في جدية المشروع ومصداقيته، وهذا هو الإخلال الوطني الذي يتسبب به مسؤولون من الدرجة الثانية غالبا تأخذهم المزايدة والحماس السلبي ليجعلوا كل المعادلات البسيطة تبدو وكأنها ألغاز لا يعرف حلها إلا الراسخون في البيروقراطية والروتين، فحتى الآن نحن لا نعلم ما الفرق بين ما يحتاجه الرجال للإدلاء بأصواتهم وما يحتاج النساء، ولا نعلم كذلك ما هي التجهيزات والاستعدادات ولم يكشف لنا أحد عن نوعها فربما استطعنا إحضارها من منازلنا وقدمناها كهبات للمراكز الانتخابية.
لو أن أحد أولئك المسؤولين قال لنا بأن ثمة توجيها بتأجيل مشاركة المرأة في الانتخابات في هذه الدورة، لكان أقرب لعقولنا وأكثر قبولا خاصة وأن لدينا تجارب في هذا الجانب وندرك كثيرا من أشكال التعقيدات في حياتنا على المستوى الاجتماعي والعرفي، لكن ما لا يمكن قبوله أن تتم إدارة طموحاتنا الوطنية بهذا المستوى من الضعف والتردي الذي يفتح أبوابا لتشكيك الجماهير في مشروعات وطنية سامية كالانتخابات.
الذين يتحدثون عن القبلية أو التشدد أو التحزّبات العائلية على أنها عائق انتخابي عليهم أن يستمعوا لتصريحات مسؤولي اللجنة ليدركوا أن هناك عوائق أكبر وأكثر تأثيرا في الانحراف بالمشروع الانتخابي.