يقول فضيلته تعليقاً على فتوى صاحبي الفضيلة، العبيكان والكلباني الأخيرتين، إن الأخيرين لو كانا في زمن الراحلين ابن إبراهيم وابن باز لأمرا بسجنهما، وزاد: بقطع ألسنتهما وإرسالهما إلى سوق الخضار بدلاً من الاشتغال بأمور الفتوى حتى لا (يدلسا) على الناس في أمور دينهم. وبالطبع يتحدث صاحب الفضيلة عن (الراحلين) الكبيرين كأنهما أصحاب سلطة تسجن وتقطع الألسنة وترسل من شاءت لسوق الخضار وكأنه يتجاوز ميكنة النظام القائمة على سلطتين قضائية وأخرى تنفيذية. لمن هي السلطة يا فضيلة الشيخ؟ وبالطبع، أيضاً، صار من اللافت في العام الأخير أن الفتوى أصبحت بألف رأس، وصاحب الفضيلة يفتي ربما هو أدهى من فتوى المستقصدين برأيه وهي بالتأكيد نتائج هذه الكثافة الهائلة التي لم تعد تجد جديداً لتشتغل به، فأضحت تجيب عن أسئلة استفتاء يندر أن تحدث. ومن اللافت أيضاً في العام الأخير بالتحديد أن المواجهة لم تعد مثلما كانت من قبل في تقابلية – الديني ضد الليبرالي – مثلما كان صلب الفتاوى المجلجلة السابقة، بل دخلنا بشكل لافت إلى ساحة المواجهة ما بين الديني والديني، وللأسف الشديد أننا اليوم نقرأ مواجهة الشيخ مع الشيخ، وأنا لا آسف على ظاهرة حوار حميدة قد تنتج خطاباً منقحاً ومعتدلاً كما هو المؤمل، بل إن أسفي على لغة المواجهة الساخنة بألفاظها التي تصل إلى (السجن وقطع الألسن). هذه معارك لا اختلافات فلماذا معركة الوعاظ وأصحاب الفضيلة؟ والجواب ربما لأن المعركة جزء من تقييم الخطاب والذين كانوا يرفضون حاجة هذا الخطاب إلى المراجعة إنما يمارسون اليوم مخاض هذه المراجعة وهم دون أن يشعرون إنما يدخلون إلى ساحة كان لا بد منها لسبب كان هو أساس الرفض: لأن المجتمع من حولهم هو الذي يضج بآلاف الأسئلة التي لم يعد محتملاً أن تجيب حولها بنظرة ضيقة. والمواجهة حتمية لأن ذات الخطاب ولاد يدفع لسوقه بالمئات في كل عام، ومن أجل الظهور والتميز والانتشار لا بد من قضية مختلفة صارخة مع كل فرد. وكل قضية جديدة مختلفة تحتاج إلى – النبش – في الدقائق والتفاصيل من موروث ضخم وأدبيات هائلة واسعة وكل يدعي أن لديه الدليل. هذه الأسباب إلى غيرها مسؤولة عن حتمية الاختلاف ومن ثم المواجهة والمكاشفة.