قبل نحو أسبوعين، قامت وكالة ستاندارد أند بورز، لأول مرة في تاريخ وكالات التصنيف الائتماني، بتغير نظرتها المستقبلية للدين السيادي الأميركي من مستقرة إلى سلبية. ولم يتأثر تصنيف الدين السيادي الأميركي، إذ أكدت الوكالة بقاءه عند تصنيف AAA، ولكن النظرة المستقبلية السلبية تعني أن هناك احتمالاً بنسبة 33% لتخفيض التصنيف الائتماني على مدار الـ24 شهرا القادمة. وكان الدافع الرئيس وراء هذا التغيير بحسب الوكالة هو التراجع الملموس في رغبة حكومة الولايات المتحدة عن تسديد الفوائد المستحقة دون وجود مشاكل مالية جوهرية تؤثر على قدرة الحكومة على الدفع. فالخلاف بين الجمهوريين والديموقراطيين حول كيفية معالجة أزمة استفحال العجز في الموازنة الذي وصل إلى أكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي على أشده.

ولكن من جانب آخر، لم يكن هذا الخلاف ليتفجر بهذا الشكل لولا وجود مشكلات هيكلية في الاقتصاد الأميركي. فالدين العام تعدى عتبة 14 تريليون دولار ويزيد بنحو 10% سنويا منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أن التركيبة العمرية للمجتمع الأميركي تشيخ بشكل يتوقع معه زيادة حادة في نفقات الرعاية الصحية تترافق مع تراجع في إيرادات الضرائب في العقدين المقبلين. وعلى الرغم من التحسن الذي شاب الأداء الاقتصاد الأميركي بانخفاض معدل البطالة تحت 9% وارتفاع معدل النمو، إلا أن اندلاع أزمة ثقة في الدين العام الأميركي سيكون له تبعات مدمرة على الاقتصاد العالمي.

وكما أشارت وكالة ستاندارد أند بورز، فإن مثل هذه الأزمة ليست مستبعدة. فقد حصلت قبل ذلك في صكوك دبي، وأدت إلى تجفيف السيولة في النظام المصرفي الإماراتي. وشهدنا أزمة أخرى في الديون السيادية اليونانية التي كادت أن تجر منطقة اليورو بأكملها إلى كساد طويل. ولكن الدين السيادي الأميركي مختلف من ناحية تعرض كل دول العالم ومؤسساته المالية له. فأي تخفيض لتصنيفه سيؤدي إلى خسائر كبيرة، وإن كانت غير محققة، في قيم الأصول التي تحتفظ بها كافة الأنظمة المصرفية حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإنه سيؤثر على تسعير قطاع عريض من الاستثمارات التي تعتمد في تقييمها على كون الدين السيادي الأميركي "خال من المخاطر".

أما فيما يخص الاقتصاد الحقيقي، فإن أي تخفيض للتصنيف الائتماني، سيجعل الولايات المتحدة غير قادرة على استيراد حاجتها من المال، وبالتالي وقوعها في فخ ركود اقتصادي يصاحبه انفلات في التضخم. وستتأثر التجارة العالمية بسبب اعتمادها الدولار كعملة احتياط، نتيجة للحدود التي ستفرض على كميات الدولار التي يمكن تصديرها خارج الولايات المتحدة. مثل هذه الآثار المدمرة تفرض علينا التخفيف من استثماراتنا في السندات الحكومية الأميركية، بالإضافة إلى السعي لإيجاد عملة احتياط عالمية كعضو في مجموعة العشرين.