المهنية الإعلامية هي (الأخلاق المهنية)، ذلك ما يتبادر للذهن مباشرة كأول ما يخطر على البال ويدغدغه، ولكننا في حال قمنا بتقليب العبارة (المهنية الإعلامية) سنجد أنها في الحقيقة، تمتد لأكثر من ذلك بكثير. إذ إن المهنية الإعلامية أكثر شمولية، ولها عدة أسس من ضمنها ما يُعنى بالأخلاق المهنية.

وأكثر ما يواجه إعلامنا العربي ما يتلخص في إشكالية كونه إعلاماً غير محترف بالكامل، فالإعلام المحترف الحقيقي هو في الأصل إعلام متقدم تقنياً، وناضج بوعيه العام.

وهكذا تكون الآلة الإعلامية العربية التي تدعي الحياد ذات مذهب (براجماتي) نفعي صرف على طريقتها، تتصرف حسب اللحظة وما تتطلبه تلك اللحظة كفرصة يمكن استغلالها وتوجيهها حسب الرغبة الشخصية، لتبني عليها ما تستطيع أن تحققه من مصالح لذاتها أو لجهة بعينها على حساب المصالح الجماعية المشتركة. فأصبح بذلك إعلاماً فاقداً للمصداقية أيضاً، ولا يربطه بالمهنية غير الشكل الأدائي المرتبط بشكلانية الفعل لا بالمضمون الأصيل للرسالة الإعلامية. وفي ذلك كسر لأحد أهم الاشتراطات المهنية المهمة تلك المتمثلة فيما يخص (الأخلاق المهنية)، وتقدير حجم المسؤولية، لتكوين كيان إعلامي مؤسساتي متكامل.وباعتماد إعلامنا العربي لطريقة الـ "بابا راتزي" في ملاحقة الحدث ونقله، فإنه يقع في مراهنة على جدوى مقابلته للقارئ الذي تعود أن يأتيه الخبر أو المعلومة على هذه الصيغة دون تفريق. وهذا تأكيد على جنوح المؤسسات الإعلامية العربية عن الهدف التنويري المناط بها، وضبابية سياستها ودورها في تنمية وزيادة الوعي في الشارع العربي، وما يُفترض أن تكون عليه كجهة عليها تحقيق حالة الحيادية والمصداقية والأمانة ومهنية العمل كأول بنود صميم وجودها المؤسسي. وبات من الواضح للعيان أن الآلة الإعلامية قد تورطت في التضليل بما يكفي، ومن السخرية أن تستمر تلك المؤسسات الإعلامية على نفس النهج المكشوف الذي باتت تمقته عقلية الإنسان العربي بمختلف ميوله وانتماءاته، وصار لزاماً عليها أن تقدم نفسها في إطار الحقيقة والحياد، وتعيد تشكيل قناعاتها لتتواءم مع المتغيرات التي تعيشها العقلية العربية، حتى لا تكون متأخرة على مجتمعاتها وعالة عليها.

لقد كشفت لنا حوادث الثورات العربية الأخيرة عمق وحجم الهوة بين عقليات وفكر المجتمعات العربية الحديثة وأسلوب وتصرفات بعض المؤسسات الإعلامية القابعة بين ظهرانيها، كأنها النشيج أو هي كذلك. فقد تابعنا جميعاً كيف تناثرت بعض تلك المؤسسات ضاربة عرض الحائط بإمكانية المشاركة بفعالية في رأب الصدوع التي تشكلت في ذهنيته كإنسان له كيانه. وبكل أسف فقد قدم الإعلام العربي نفسه بأكثر من طريقة على نهج (لكل شيخ طريقة)، فأصبح يصبح على ما لم يمسِ عليه. متنكراً لأبسط حقوق المجتمعات. فلا هو تمكن من علاج جراحاتها عبر تناوله لقضاياها بشفافية، ولا هو أسهم في تقديم النموذج المطلوب لكيفية الطرح الخلاق وماهية المطروح.

لنا في الكيفية التي تعاملت بها بعض هذه القنوات مع واقع الثورة اليمنية، وكيف أن عرضها لمقطع ضرب وتعذيب السجناء بالعراق على أنه يخص السجن المركزي بصنعاء. قد تسبب لها بالحرج الكبير جداً على مستوى الشارع العربي والعالمي. لقد مثل ذلك التسرع في العرض خطأ فادحاً، وسقوطاً مدوياً للعديد من جوانب المهنية الإعلامية، وشرخا في جدار مصداقية العمل الإعلامي، والأخلاق المهنية الإعلامية، ومقتضيات مسؤولية العمل الإعلامي كواجهة حقيقية للتطور والتمدن.

حين لا تُقدر مؤسسة إعلامية حجمها ومساحة تأثيرها، تصبح مصداقيتها على المحك في كل تجربة تخوضها، أملاً في تقديم نفسها بشكل أكثر لياقة. برأيي فقدت تلك القناة جزءا مهماً من شعبيتها على مستوى الشارع اليمني، وقلصت من المسافة التي كانت تبعدها عن منافساتها، وربما عاد ذلك لفقدها بعض كوادرها الإدارية المهمة ذات الخبرة العريضة.

16 عاما أو تزيد هي عمر مهرجان الإعلام العربي، وغيره من المهرجانات والتجمعات العربية الإعلامية، ولم تحقق تلك المهرجانات أكثر من حالة الالتقاء والتجمع فقط، وعدا ذلك لا شيء هناك. إذ إن الإقصائية التي ميزت الإعلام العربي في تصرفه وتحركه، تبقى إحدى أعظم مشاكله وإشكالاته التي لن يتخلص منها على المدى القريب ربما، وهي إحدى قضاياه الشائكة التي تبحث عن حلول قد لا تكون مطروحة على الطاولة في الوقت الراهن أو في المنظور القريب على الأقل. وطالما ظلت المؤسسات الإعلامية العربية حبيسة مزاجية الفرد المترنحة، فإنها ستبقى مجرد شاشات عرض كبيرة، مفرغة من مضمونها وحيويتها، وفاقدة لمصداقيتها وروحها ودورها التنويري الكبير. وستتواصل معاناة ومأساة عقلية الإنسان العربي. أو هكذا تقول الصورة.