تعلمنا وحفظنا ونحن صغار من معلمين أفاضل حكمة لم نكن ندرك عمقها آنذاك تقول: "الفشل طريق النجاح" ولكننا وللأسف نرى من حولنا أن ممارسات شبابنا تدل على إيمانهم بأن الفشل طريق الإحباط. فإذا كان الشاب يبحث عن وظيفة وتردد على عدد قليل من أرباب العمل أو الإدارات الحكومية ولم يجد وظيفة يستكين ويقول لمن حوله إن لا وظائف متوفرة لأنه بحث ولم يجد. وتذكرني ممارساتهم تلك بتجربة عرضها الدكتور مارتن سلايمان أستاذ علم نفس في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية أسماها "العجز المتُعلم" Learned Helplessness فحواها تعرض كلب داخل صندوق كبير لا يستطيع القفز خارجه لتيار كهربائي.. ولعدة مرات في فترات متتالية يفصل بينها وقت ليس طويلاً.. وفي كل مرة يتعرض فيها الكلب للتيار الكهربائي يحاول القفز خارج الصندوق ولم يتمكن. في النهاية استسلم الكلب ويئس وأصبح كلما تعرض للتيار الكهربائي استلقى على الأرض.. وبعدها وُضِعَ الكلبُ داخلَ صندوقٍ قليل الارتفاع بحيث يستطيع الكلب القفز خارجه بسهولة تامة.. لكنه كلما تعرض للتيار الكهربائي استلقى على الأرض في الوقت الذي كان بإمكانه القفز خارج الصندوق وتفادي صعقات التيار الكهربائي. وأصبح سلوكه يكشف تعرضه لإحباط مزمن. هذا يشبه تماماً ما يتعرض له كل من تواجهه حالات فشل من شبابنا.. حتى مع وجود فرص كبيرة للتغلب على الفشل. وفي معرض حديثه عن هذه التجربة قال إن باحثي الوظائف يقولون له إنهم لم يجدوا وظائف بعد محاولات متكررة فيسألهم: كم مرة حاولت؟ فيجيبونه بالقول إنهم قد قاموا بعدة محاولات لكنها لا تتعدى العشر مرات. فيجيبهم إن عدد المرات الصحيحة التي توصلهم للهدف يجب أن تتعدى الـ130 مرة ليتفادوا تعرضهم لأعراض الإحباط الإكلينيكي المزمن" Chronic Clinical Depression "

وفي موضوع مشابه يتعلق بالفشل الدراسي يعزو هاورد جارنر تعرض بعض الموهوبين للفشل بسبب عدم اكتشاف نقاط قوتهم. وفي نظريته التي أسماها: تعدد الذكاء " Multiple Intelligence " اكتشف 9 أنواع من الذكاء بدأها بـ7 ثم 8 و9 ويقول إن الباب مفتوح.. ويؤكد أن الفرد قد يُقحم في مجال يفشل فيه بينما هو موهوب في مجال آخر. والفشل هنا تتحمله مؤسسات التعليم التي يجب أن تستفيد من آخر الدراسات والبحوث وتطبيقها حتى تنجح برامجها.. فقد رأينا من تجاربنا أن من أسباب ترك الدراسة Drop Out أن بعض الطلاب قد أخفقوا في مادة وتكرر رسوبهم فيها واستنفدوا عدد مرات الإعادة فحذفهم النظام العقيم إلى الشارع. وأعرف حالات خاصة من هذا النوع. وكان السبب أن تلك المادة ليست من ميول ولا اهتمامات الطالب ولا تستحق أن يتأثر مستقبله الكامل بشأنها. وقد يكون موهوبا في أحد مجالات أنواع الذكاء التسعة التي ذكرها جارنر.

لكن الذي يهمنا من التعرض لهذه النظرية هو ضرورة أن نعلم ناشئتنا أنه يمكننا أن نفشل ثم نتعلم من فشلنا.. بمعنى أن نفشل لننجح.. ففشلنا في البحث عن وظيفة لعدة مرات ليس نهاية المطاف.. وفشلنا في مجال تعليمي يعني أننا نجحنا في اكتشاف أن هذا المجال التعليمي غير مناسب وأننا قد ننجح في مجال تعليمي آخر ونتفوق فيه.

الاستسلام معناه أننا نتعلم وبوعي كامل الإحباط.. الأوقات والمجالات والأماكن لا تتشابه إطلاقاً. يجب أن نعرف ذلك.. المجال الجديد الذي نطرقه والمكان الجديد الذي نذهب إليه والوقت الجديد الذي نذهب فيه كل هذه الأمور تحمل مواصفات مختلفة. فلماذا نقنع أنفسنا بأن المجال الجديد تماماً يشبه سابقه ونقنع أنفسنا أننا سنفشل فيه. والمكان الجديد يحمل فرصاً مختلفة فلماذا نؤمن أنه كسابقه..

يجب أن نتعلم الإيجابيات.. والوقوف عند محطات الفشل كطريق مسدود يعلمنا نهاية الحياة.. وهو خطاً كبير يرتكبه بعض شبابنا. ثم إن ناشئتنا يجب أن يتعلموا ثقافة التوجيه Counseling. نعلمهم أن يطلبوا المساعدة. قد تتحدث إلى أحدهم فيخبرك بتجربة يعتبرها مثل نهاية العالم فتكتشف أنها مشكلة بسيطة لها ألف حل لكن لصغر سنهم وقلة تجاربهم وشعورهم بالإحباط يتوقفون عن التفكير في الحلول والمضي في محاولات جديدة.

وأمر آخر عرفناه من علماء النفس ومن خلال خبراتنا وهو أنه بداخل الإنسان قوى كامنة Latent Power وغالباً ما تضيع هذه القوة داخل الإنسان دون استثمار فيستكين المرء ويتراخى.. وفي تقديري إن هذا لب ما أشار إليه عالم النفس مارتن سلايمان عندما أكد على أن الذي لا يصل تكرار محاولاته لتحقيق أهدافه مرات قد تصل إلى أكثر من 130 محاولة لن يفلح في تحقيق أهدافه أو قد يصل إلى مستوى أقل من طموحه وقدراته واستعداداته.

قد يقول قائل وهو يصل إلى نهاية قراءة مقالي: هذا طرح مثالي.. والواقع أن عصرنا هذا يحتم علينا أن نكون عارفين بهذه الأمور لننقلها لأبنائنا أو يتعلم منها الباحثون عن الفرص أن الفشل يكون ناجحاً إذا أنار لنا الطريق وأخذنا منه العبر والتجارب وكشف لنا طرقاً لا تؤدي إلى الحقيقة وإلى النجاح وإلى تحقيق الأهداف.