الحقيقة المؤلمة هي أننا نجد أنفسنا محاطين بالتلاعب بالحقائق والمعلومات ونسينا ما هو الاعتراض أو كيفية الاعتراض! الكثير إن لم يكن الغالبية منا لديه توقعات، توقعات تتناول جميع الجوانب في حياتنا، من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا، كأن نتوقع أن الليل سيأتي بعد النهار، أن المياه ستغلي عندما نعرضها للحرارة، أننا حين نجتهد نجد التقدير، أن من تقوم على رعاية أسرتها وفناء عمرها في خدمة زوجها لن تتعرض يوما بأن تسلب كل ما تملك ممن ائتمنته على حياتها لمجرد أنه قرر أن يمارس حقه في التعدد، أن يجد الأبناء رعاية نفسية وصحية من الأسر، أن يجهز الطلبة والطالبات لسوق العمل حسب أحدث التطورات في مجال التربية والتعليم، أن يتوافر لأطفالنا متنفس للعب والنمو دون أن تقسم ظهورنا بالمصاريف، أن تراقب الأسعار خاصة السلع الأساسية ولا نترك لجشع التجار يتلاعبون بنا، أن تستقر أسعار الأراضي ولو لفترة خاصة بعد أن قام قائد البلاد بأمر تمويل صندوق القرض والمسارعة في بناء مساكن لذوي الدخل المحدود، نعم ليس عيبا أن نتوقع بل إنه غالبا ما يكون من حقنا أن نتوقع أحداثا معينة في إطار معايير ومعطيات معينة، ماذا حدث؟ أين الحلقة المفقودة؟ هل نسينا أن نسأل ولماذا نسأل ومن نسأل؟ هل أصبح لدينا خوف من السؤال، رعب من المراجعة، رهبة من الاعتراض؟!

كيف ومتى حدث هذا التغيير؟ هذا التخلي عن الاعتراض؟ هذا التباين ما بين توقعاتنا أو حقنا في التوقع وبين الذي نجده على أرض الواقع؟ لماذا.. ولماذا.. ولماذا؟ لأنه وبالنسبة للكثير منا أتى ووجد أن من قبله لا يقوم بذلك وهو لا يعلم أصلا لماذا لا يقوم بذلك! وكأمثلة لا تعميم، مديرات ومديرون يبجلون اللوائح ويقتلون أي فكر إبداعي ويكتمون أي صوت ينادي بالتجديد، رجال يصغون لرفقاء العمل أو جلسات "الوناسة" ويقررون تجديد الفراش لا لحاجة ملحة أو حالة أسرية خاصة، بل من أجل التباهي أو ممارسة ما يعتقدون أنه حق غير مشروط، والآن ما الحل؟ فمن الناحية الاجتماعية في كثير من الأحيان لا تستطيع المرأة أن تعترض بل لا تعرف ما هو الاعتراض، وكذلك الأمر بالنسبة للأبناء، كيف يطالب طفل أو مراهق بحقه وهو لا يعرف ما هو أو حتى أين يجده؟ تتوقع الزوجة فلا تجد، ويتوقع الابن ويصدم خاصة حين يقارن بما يحدث داخل أسرته وداخل أسر أخرى من حيث المعاملة أو من حيث الرعاية! توقع تقابله خيبات أمل! وإن حدث أي اعتراض أخرجت التهم من الأكياس والأدراج: عاصية، منحلة، عاق،...إلخ!

أما خارج المجال الأسري، فنحن نعلم أن التغيير في أي نظام لا يأتي على شكل مجموعات، وعليه ليس بالإمكانية تغيير مثلا كل من في النظام التعليمي، أو الإداري، أو الإعلامي... إلخ، في وقت واحد كي نتحصل على مجموعة جديدة خالية ممن يتمسكون بآراء وعادات أو اتجاهات هم أنفسهم يجهلون أصلها، والذي يحدث أن التغيير يأتي على مستوى أفراد، ما أريد قوله إنه كلما تم استبدال أحدهم بدماء جديدة، تصادم مع الدماء القديمة من حوله، التي تضع في طريقه العقبات بحيث لا يستطيع أن يحقق توقعات المجتمع الذي يخدمه، عقبات من عقول سجنت خلف أسوار من البيروقراطية أو العادات أو المخاوف وهم أصلا يجهلون مصدرها أو على الأقل لماذا وممن ومتى وضعت، ولكنهم يتفننون بخلق الواحدة تلو الأخرى! فإن تجرأ وحاول هذا المسؤول أن يقوم بإحداث أي تغيير أو السؤال أو الاعتراض هوجم وأحيانا بشراسة، ليس ممن فوقه بل ممن يعملون معه، والآن بالمقابل إن تجرأ أحدنا وتساءل أو ساءل أو اعترض هُوجم أيضا ممن لا يعرفون لماذا هم في الأصل يهاجمون، حتى إن البعض منهم يصل به الحد إلى أن يتهمه بانعدام الحس الديني أو الوطني، بأن يصنفه على أنه ليبرالي أو علماني أو إسلامي متزمت، وأقلها أنه مثير للشغب والبلبلة، أثواب من الألقاب والصفات جاهزة كي تلقى على من يتعارض مع التوجهات أو المفاهيم أو حتى أسلوب العمل أو التنفيذ والمتابعة.

والآن وخلال كل ذلك ماذا عنا نحن.. البقية من أفراد المجتمع ممن يحتضنون توقعات وآمالاً، أليس لدينا الحق في أن نكون غاضبين، وأن نعيش حالة انعدام الثقة، حين نعيش حالات خيبة الأمل واحدة تلو الأخرى، سواء كانت في الحياة العملية أو الأسرية أو الاجتماعية، ما الحل؟ صدقوني لا أعرف ما الحل! وأعتذر أنني أوصلتكم إلى هنا وليس لدي أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع هذه القضية، كنت أفكر بصوت عال وأردت أن أصل بصوتي إليكم لعل أحدكم يفيدني، كيف أفعّل حق التوقع؟ كيف أعيد الثقة بين الناس؟ أريد لنا أن نخرج من أكبر عقدة نعاني منها اليوم، ألا وهي حقيقة أن الكثير من أولئك الذين من المفترض أن يكونوا على قدر من المسؤولية والشفافية في مواقع أسرية أو اجتماعية أو إدارية، قد خالفوا كل توقع، وللأسف بالمقابل نجد أن الكثير يقف عقبة في وجه التغيير ويعترض وهو جاهل أصل أو مصدر الاعتراض! وبين هؤلاء وهؤلاء جرد البقية حتى من حق التوقع!