فجعني النبأ وأمام هوله لم اًصدق، فاتصلت فورا بمرسل الرسالة الجوالية الزميل الصديق خالد الحسيني الذي كان صوته الدامع وحالته النفسية كافيين لتأكيد الخبر المفجع. لقد رحل محمد صادق دياب، إنا لله وإنا إليه راجعون. صحيح أنه كان في رحلة استشفائية من المرض الخبيث الذي داهمه فجأة، لكن تصور الموت موجع ومؤلم وغير مصدق، ولاسيما أن مؤشرات الشفاء كانت مبشرة وواضحة ومفرحة، سواء في صوته الذي كنت أسمعه عبر الهاتف بين الحين والآخر، أو من خلال مقالاته المفعمة بالإبداع والحياة في الشرق الأوسط التي لم تنقطع عن قرائه سوى فترة وجيزة في بداية وصوله إلى مدينة الضباب طالبا للعلاج. إذن لابد أن أمرا ما حدث، فاتصلت فورا بالصديق الشاعر عبدالمحسن حليت الذي ضرب أروع صور الوفاء لصديقه الراحل عندما ضحى بعمله وانشغالاته وتفرغ لمرافقته طيلة رحلته الاستشفائية التي بدأت منذ بضعة أشهر. قلت لعبدالمحسن ماذا حدث؟ قال وهو ينشج لقد انتكست حالته فجأة منذ ثلاثة أيام حتى كان الوداع الأبدي اليوم (الجمعة 8 أبريل الحالي)، لا أعرف بعد ذلك ماذا سمعت من تفاصيل ولا عماذا سألت، غرقت في هوة فجيعتي بالصديق الأديب الصحفي عمدة الصحفيين والأخلاق والذوق ورائد نشر المحبة والتفاؤل بين الزملاء والأصدقاء.

كنت يومها في مدينة شيفيلد البريطانية، وصلتها في اليوم السابق، وكنت أخطط لزيارته في لندن ـ رحمه الله. كنت واثقا أنني سألتقيه، صوته ومقالاته شبه المنتظمة كانا يعززان هذه الثقة. كنت كلما تحدثت إليه أجده كما عهدته رقيق العبارة حاضر النكتة عالي القهقهة للدرجة التي تشعر معها أن (أبو غنوة) يجلس معك وجها لوجه لا عبر الهاتف.

في بداية رحلته كان الصديق حليت يتولى بث الطمأنينة في نفوسنا بين الحين والآخر، وكنت كلما أثنيت شاكرا موقف الوفاء الشامخ الذي نصبه هذا الشاعر النبيل، يقول لي: الصداقة في الدنيا ياقينان، وكان عبدالمحسن أعظم من عرفت وهو يترجم هذه المقولة فعلا. في مرحلة لاحقة لم تتأخر كثيرا، استأنف العمدة اتصالاته مع الأصدقاء والمحبين الكثر فسعد وأسعدنا بصوته وقوة حضوره وثقته بالله، وكنا واثقين من رؤيته معافى بيننا في أحضان العروس، جدة التي أحبها وأحبته ومنحها من جهده وقلمه وعشقه حتى أصبح علامة من أبرز عشاقها ورموزها، إذ كتب عنها صحفيا ودونها مؤرخا وأبدعها روائيا، الأمر الذي يجعلني الآن أؤمل في أمينها الدكتور هاني أبو راس أن يتبنى تخليد اسم محمد صادق دياب بإطلاقه على اًحد شوارعها أو ميادينها الهامة ولو كان ذلك في المنطقة التاريخية، فإنه اختيار سيصادف أهله، فمحمد دياب جدير بأن تكرمه جدة بمثل هذا الفعل على الأقل بصفته أحد رموزها الذي له بصماته البارزة في خدمتها، وأتصور أن هذا واجب على أمانة جدة حيال رموزها.

كنا ننتظر عودة العمدة أو لقاءه، لكنه رحل هكذا فجأة تاركا في قلب كل من عرفه لوعة وألما وحزنا عميقا، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن حكمة وتوازن محمد دياب يجعلان منه شخصية فريدة قل أن تتكرر. رحمه الله وأكرم مقامه.