"هل سيتمكن العرب من تشكيل ديمقراطيات حقيقية؟" سؤال كثيراً ما يطرح علي هذه الأيام. بعد بعض الأخذ والرد مع الذين يطرحون هذا السؤال، توصلت إلى نتيجة أنه في معظم الحالات يكون لديهم مجموعة من الافتراضات حول ما تعنيه عبارة "ديمقراطيات حقيقية" وفهم ساذج حول كيفية نشوء الأنظمة الديمقراطية وطريقة عملها وتطورها.

الديمقراطيات أكثر من مجرد انتخاب، وليس الانتخاب الأول هو ما يهم، بل الانتخاب الثاني، وكل انتخاب يليه يكون أكثر أهمية:

كنت في اليمن عام 1993 بناءً على دعوة للتحدث هناك حول الديمقراطية والانتخابات. كان البلد على وشك أن يجري انتخاباته التشريعية الأولى بعد الوحدة وكانت الأجواء مفعمة بالسياسة بقدر ما كانت جدران المدينة مكتظة بالصور. فيما كنت أزور مراكز قيادة كل حزب سياسي منافس لأستمع منهم إلى إستراتيجياتهم الانتخابية للفوز وخططهم لمستقبل البلد، كنت أستمع أيضاً إلى شكاواهم. كان البعض يقول إن "الحزب الحاكم يمزق لافتاتنا"، أو "إنهم يرشون الناس ليصوتوا لأشخاص معينين"، وشكاوى أخرى.

وحيث إنني أعمل في السياسة والانتخابات منذ طفولتي، لم يكن أي من هذا جديداً علي، وقلت لهم ذلك. كنت أقول لهم "ذلك يحدث في شيكاغو كل الوقت"، أو "في فيلادلفيا، نسمي ذلك المشي حول المال"، أو "أعرف كم هذا السلوك صعب، لقد فعلوا ذلك معنا العام الماضي في ميتشغان."

أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية كان موجوداً في إحدى الجلسات احتج فيما بعد لأنني قلت مثل هذه التعليقات. رفضت الانتقاد قائلاً إنني لا أستطيع أن أدعي أن ديمقراطية الولايات المتحدة نموذج يحتذى به وبلا عيوب، لأن تصوير أنفسنا على أننا كاملون بلا عيوب ليس زيفاً فقط، لكنه يرفع من مستوى التحدي للآخرين ويجعله خارج قدرتهم على الوصول إليه.

كنت أذكر كل مجموعة أتحدث إليها أن القضية ليست في العيوب في هذه الانتخابات، ولكن فيما إذا كانت هناك إجراءات موجودة للنظر في الشكاوي واتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح المشاكل قبل الانتخابات القادمة.

هذا لم يحدث في اليمن، وكانت النتيجة أنه مع كل انتخابات تالية أصبح النظام أقل انفتاحاً وشفافية، مما قلص الثقة في العملية السياسية بشكل عام، وبالديمقراطية بشكل خاص.

الديمقراطيات لا تولد، لكنها تصنع مع الوقت:

في بداية عهد الرئيس كلينتون، تلقيت دعوة إلى الأرشيف الوطني للاستماع إلى كلمة الرئيس حول خطته لإصلاح برنامج العمل الإيجابي في البلاد. بانتظار بداية الخطاب، دهشت بالجداريات التي كانت تحيط بسقف القاعة الرئيسية في المبنى. الجداريات كانت تصور مشاهد من "المؤسسين" الذين كانوا، بالطبع، جميعهم رجالاً مرموقين من العرق الأبيض (ملاك أراضي، تجار، متخصصون، ...). فيما كنت أنظر إليهم، فكرت في نفسي "هل لدى هؤلاء الرجال (كثير منهم كانوا يملكون عبيداً) أي فكرة عما سيؤول إليه مشروعهم الوليد غير الكامل؟"

من المهم بالنسبة لنا أن نتذكر أنه عندما تم التصويت في فرجينيا عام 1788 للتصديق على الدستور الجديد للولايات المتحدة، تم تمرير الدستور بأغلبية 89 إلى 79 صوتاً. تلك الأرقام عكست في ذلك الوقت حدود الحق الدستوري لديمقراطيتنا الحديثة. كان الرجال البيض الأثرياء فقط مسموح لهم بالتصويت. ويجب أن لا ننسى أبداً أن الأمر استغرق سبعة عقود قبل إلغاء العبودية، كمؤسسة، وستة عقود أخرى قبل أن تحصل المرأة على حق التصويت، ووقتاً أطول من ذلك قبل أن يتوسع الحق الدستوري ليشمل الأمريكيين من أصول أفريقية. يمكن للمرء أن يضيف أنه كانت هناك قيود تمييزية ومرهقة على الأمريكيين من أصل أفريقي حتى بعد أن حصلوا على حق التصويت، أو يشير إلى معاملة الإبادة المشينة ضد السكان الأمريكيين الأصليين أو "الخدع القذرة" التي استخدمت لتخويف الأقليات وتقليص مشاركتهم في الانتخابات. النقطة يجب أن تكون واضحة. ديمقراطيتنا لم تولد كاملة. على العكس، كانت ناقصة تماماً. لكن من المهم أيضاً أن نتذكر كيف أن ديمقراطيتنا استمرت في النمو والتوسع.

حتى في الوقت الحاضر، بعد أن ظهرت أدلة شككت بنتائج انتخابات عام 2000 و 2004 الرئاسية وقرار المحكمة العليا الذي فتح الباب لأموال غير معلنة وغير محددة لتلعب دوراً في انتخاباتنا، من الواضح أننا لا نزال نواجه تحديات حقيقية في ديمقراطيتنا وعلينا أن نقوم بالكثير من العمل الجاد هنا في بلادنا.

ولذلك قبل أن نعطي صورة كاملة عن أنفسنا أو نعطي حكماً مسبقاً على الآخرين، علينا أن نقرأ قليلاً من التاريخ.

أفكار أخيرة:

رغم كل ما قلته، هناك ملاحظتان إضافيتان ضروريتان. أولاً، برغم أن شكل وسرعة الديمقراطيات الجديدة التي ستبرز في الدول العربية سوف تتنوع اعتماداً على العادات والتقاليد، فإن اختبار حيويتها ومصداقيتها سوف يكون في قدرتها على تصحيح وتغيير وتوسيع نفسها.

ثانياً، رغم أهمية الانتخابات وتوسيع المشاركة السياسية، فإن من الضروري أيضاً أن تحترم الحكومات حريات وحقوق الإنسان الأساسية. على هذه الحكومات أن توفر للمواطنين حق تصحيح المظالم؛ تحميهم من الانتهاكات من قبل الدولة؛ وإنشاء قضاء مستقل يضمن سلطة القانون ويحمي حقوق الأفراد. إذا فعلت الديمقراطيات الجديدة هذا، ستكون قد بدأت من حيث بدأنا نحن مشوارنا. الباقي سيحتاج لوقت وجهد؛ مع أن المرء يمكن أن يأمل فقط أن لا يحتاج الأمر لقرون كما كان الحال بالنسبة لنا.