بعد قراءتي المتعددة لمقالات ناقشت الوضع المتردي للخدمات السياحية في وطننا، وبعد ما فاض بالكتّاب الهم من كثرة معالجتهم لهذه القضية الشائكة، أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ألهمني الحل السريع والفعال، وهو ما سأعمد إلى طرحه في نهاية هذه السطور بإذن الله.!

أما الآن فيجب إحقاقا للحق الإشارة إلى ما وجهني للاهتمام بهذا الموضوع بالذات.. إذ يفترض أن تكون السياحة الداخلية مريحة للمواطن السعودي، خاصة أننا في وطن شاسع الأطراف، مختلفة من حيث الأجواء والطبيعة، كما أننا مع هذا التبيان تجمعنا بحمد الله عناصر أساسية من دين وهوية وانتماء وطني، وبالتالي فالأرضية المحلية مهيأة لنجاح أي مشروع سياحي داخلي، شرط توفر عناصر أساسية وهامة لإنجاحه، وهي مع الأسف غير متوفرة بالشكل الكافي، والإرادة الرسمية لا تكفي لإيجاد هذه العناصر، كان لا بد من تدخل حازم لتحقيقها على أرض الواقع.

إن المواطن قد يخير بين السفر إلى أبها أو الطائف أو الباحة على سبيل المثال، إلا أنه يصدم بارتفاع أسعار الفنادق والمواصلات، مع ضعف الخدمات المقدمة التي لا تتناسب عادة والتكلفة المطلوبة، والمؤلم أن بعض الفنادق التي تحمل رخصة عالمية لا تلتزم بالخدمات الفندقية المعروفة للشركة الأم، فهي لا تحمل على أرض المملكة إلا العنوان العالمي، أما الخدمات المقدمة فلا تعرف طريقها إلى سمعة تلك الفنادق العالمية، فالخدمة سيئة، والتهاون في خدمة النزيل واضحة ومعلنة، والإدارة متهاونة.. ولم لا فالنزيل يشتكي، ولا وجود للخوف من خسارة النزلاء، هذا الحال يظهر بوضوح في الفنادق المتواجدة في مكة المكرمة ومدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد يكون مبرر القائمين على تلك الفنادق أن الإقبال عليها متزايد ولا يحده موسم أو مواسم، وبالتالي رواج أعمالها لا يتطلب تقديم خدمات مميزة، فنجاحها لا يتوقف على خدماتها واحترامها للنزلاء بقدر ما يتوقف على اختيارها للموقع المميز القريب من الحرمين الشريفين، وهذا الأمر ينطبق على فنادق العاصمة "الرياض" إذ إن بعضها يقام على أنه فئة خمس نجوم، أما النزيل فسيجدها لا تمت لهذه الفئة بصلة، ولو طلب منه تقيم تلك الفنادق فسيضعها في خانة ثلاث نجوم ليس إلا، فما يربطه بالشركة العالمية لا يتعدى الاسم التجاري والسعر المرتفع، والذي قد يفوق ما هو معتاد في مثله، والسبب في اعتماد أصحاب تلك الفنادق لأسعار مرتفعة مع تقديم خدمات ضعيفة، هو موقع الفندق المهم في العاصمة الرياض قلب المملكة النشط، فالإقبال متزايد على "الرياض" بحكم موقعها وأهميتها، والمتوفر من فنادق وشقق فندقية فيها لا يغطي المطلوب، فهم مع تقليصهم للخدمات المقدمة ورفعهم للأسعار منشغلون على الدوام.

وكثير ما أسمع تعليقات لاذعة ممن اعتاد -لعمله- السفر المتكرر إلى دول الخليج، عن جودة خدمات فنادقها وشققها الفندقية وعن كونها أكثر من جيدة مقارنة بالخدمات المقدمة في المملكة، أما الفنادق التي يرتادها السياح في دول الخليج فأسعارها بشكل عام معقولة، فالنزيل يشعر بأنه مدلل، وبالتالي فهو يفرح بما يبذله، إذ سيجد مردود ما يدفعه واضحا طوال سكناه، بل قد يستمر هذا التدليل إلى وقت مغادرته للفندق، فبعض تلك الفنادق تستمر بتقديم خدماتها لداخل المطار فتخصص قاعات خاصة بخدمات خاصة لنزلائها. والأمر لا يتوقف عند الفنادق والشقق الفندقية الوطنية فبعض مطاراتنا على سبيل المثال لا ترقى لاسم المملكة العربية السعودية، لا من حيث الخدمات، بل ولا حتى من حيث النظافة، وكأن أجهزة الرقابة فيها قد نامت واستكانت، أو قد هجرت مواقعها دون رجعة، والغريب أن بعضها كلف الدولة مبالغ طائلة وتصميمه تحفة هندسية، ومع ذلك تجد خدماته أقل من المتوقع فالساحات الخارجية رائعة أما خدماته الفرعية فضعيفة للغاية إن لم تكن منعدمة في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال "دورات المياه" المخصصة للنساء تكاد تكون دوما مهملة وقذرة، فالشركات المكلفة بالنظافة تعتمد على عاملات من جنسيات آسيوية تهمل عملها وتتطاول على المسافرات، وكيف لا تفعل فالرقابة معدومة جملة وتفصيلا، فلا أحد يجرؤ على الدخول للأماكن المخصصة للنساء، كما أن أجهزة رقابية نسائية في مطاراتنا غير متوفرة، والحبل فيها على الغارب، وقد يترك الموقع في غاية القذارة مما يدفع بعض النساء لمحاولة الحصول على فتوى تبيح التيمم بدل الوضوء استعدادا للصلاة في المطارات إذا واجهتهن مثل هذه الأجواء المقززة، فالمكان مقرف وملغم بالقذارة، في حين تجد دورات المياه في بعض مطارات الخليج من الظلم وصفها بالنظيفة، بل تستحق أن توصف بالمعقمة، إن مقارنة كهذه بالتأكيد ليست في صالحنا.

أما الأماكن المخصصة لصلاة النساء في مطاراتنا فمع ندرتها تجدها مضحكة مقارنة بما هو مخصص للرجال، وإن وجدت فحالتها على الأغلب بائسة، ولأني أغار على وطن بذل في سبيل تحقيق التنمية مبالغ طائلة، مبالغ لا نجد لها الأثر الملموس على الأرض الواقع، أطالب بالتحقيق والمتابعة والمراقبة للمؤسسات المكلفة بالنظافة، خاصة أن ما يستحق ريالا دفع في سبيله عشرات الريالات، وما يستحق ملايين دفع في سبيله مليارات، وهذا الفساد بعينه.. وعموما أقسام النساء التي تكون تحت إدارة رجالية تكون عادة سيئة للغاية لأنها لا تخضع للرقابة الدورية، أو أن المكلفات بالمراقبة كسولات لا يخضعن بدورهن للمراقبة.

ويمكن لنا أن نأخذ نماذج مشرفة لإدارات نسائية متعاونة مع الرجال كمدارس البنات التابعة لشركة "أرامكو السعودية" وبعض المجمعات التجارية التي احترمت النساء وفرضت خدمات متميزة لهن، أما أن تبقى مطاراتنا بهذا الوضع المزري، فأمر مرفوض من القيادة قبل أن يكون مرفوضا من المواطن، فالمطارات هي أول بوابة تواجه الزائر، وأول عنوان يكتب في نظرته الخاصة للإنسان السعودي، ونحن جميعا كمواطنين نكون صورة واحدة لهذا الإنسان، الذي من وجهة نظري يستحق التقدير والاحترام.

وبالإمكان إجراء تجربة ميدانية.. وذلك بإغلاق صالة التشريفات الخاصة بكبار الشخصيات في مطاراتنا ولمدة أسبوع على الأقل، على أن يوجهوا للمرور عبر الصالات العامة، عندها فقط ستتحول هذه الصالات وبقدرة قادر إلى واحة من النظافة والترتيب وستكون خدماتها لائقة بالمملكة العربية السعودية، ولو تركنا المزاح أستطيع أن أطالب بفرض الأنظمة والقوانين والعقوبات، وإلزام الشركات التي تقوم بتقديم خدمات النظافة بشروط جزائية في حال إخلالها بمتطلبات عملها، ولا بأس بفرض أنظمة تلزم المواطنين والمقيمين والزائرين بدفع غرامات مالية في حال تسبب أحدهم بنشر الوساخة، كما من شأن نشر وتعميم تلك الأنظمة حفظ النظافة العامة في الأماكن العامة كالمطارات والطرقات وغيرها، وغني عن البيان أن هذه الأنظمة معمول بها في بعض الدول.

أما الفنادق والشقق الفندقية، فمن المهم إذا كانت تتوجه للبقاء بيننا أن تراعي أصول المهنة الفندقية من نظافة وخدمات، وعند تحديدها للأسعار عليها أن تعلم أننا لن نكون مسخرين لطلباتها ولن نقبل استغلالها لحاجتنا، فأسعارها لا بد أن تتناسب ومثيلاتها من الفنادق المتواجدة عالميا مع تماثل في الخدمات المقدمة العالمية .. فمن حق النزيل أن يجد خدمات توازي ما دفع من قيمة.

وأخيرا هل العيب كل العيب من نظام إدارة الفنادق وإدارة المطارات.. بطبيعة الحال لا، فالقلة منا من يرفع شكوى توضح ضعف الخدمات، والزائر الغريب يعتقد أن إمكانياتنا كبشر لا تتجاوز ما قدم، فنحن شعب نام! كما أننا مع الأسف وفي بعض الأحيان نكون مثيرين للقذارة غير آبهين بالنظافة، في حين إذا ما غادرنا البلاد سنجد أنفسنا وبقدرة قادر أكثر الناس حرصا على النظام العام وعلى النظافة الشخصية، والسبب علمه عند المولى سبحانه، والحل الذي عجزنا نبحث عنه ليس بيدي.. ولا بيدك.. بل بأيدينا جميعا، هدانا الله سبحانه بعظيم فضله لسواء السبيل.