تعتبر المعاكسات إحدى الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع، حيث يقضي بعض الشباب معظم وقته متجولا بين المراكز التجارية، مستعرضا مهاراته العالية في معاكسة الفتيات، غير مبال بنظرات الغضب التي يراها من بعضهن انزعاجا من تحركاته البهلوانية، وتتخذ المعاكسات طابع الجرأة، حيث أصبحت تشاهد في المولات التجارية، وعند إشارات المرور، وفي الشوارع العامة.

تسرد أم بدر قصتها التي تتميز بالطرفة تقول "بينما كنت في أحد المراكز التجارية، وكان زوجي متواجدا بالسوق، وجدت شابا يطاردني في ممرات السوق، ويصر على إعطائي رقم جواله، حاولت تجاهله في العديد من المحاولات التي باءت بالفشل، وبعد اقترابه مني لرمي رقم جوالة في حقيبتي، انهال عليه زوجي ضربا بالعقال، وكان الشاب في وضع لا يحسد عليه، فلم يحاول الهرب أو الدفاع عن نفسه، وتلقى العلقة بروح رياضية".

وتقول فاتن باجنيد "تعرضت ذات يوم لعبارات غير لائقة من شاب أمام مرأى العديد من الأشخاص داخل أحد المستشفيات بجدة، فشعرت بالتوتر والقلق، والخجل شديد، فحاولت أن أتمالك نفسي والهروب من ألفاظه، إلا أن هذا الشاب كان يطاردني مصرا على أن آخذ رقم جواله، مما دفعني لطلب المساعدة من رجال الأمن المتواجدين داخل المستشفى".

ولتحليل ظاهرة المعاكسات قال استشاري في إدارة العقل والتعامل مع الذات صالح إبراهيم النفيسي "ظاهرة المعاكسات بشكل عام سواء عن طريق البلوتوث أو البلاك بيري أو باستخدام وسائل التقنيات المختلفة تفسر على أنها احتياجات واقعية لدي الإنسان، ومن المسلمات التي يجب أخذها بالاعتبار أن إشباع هذه الاحتياجات يشكل الركيزة الأساسية لتحديد الأمان الذاتي للإنسان". وأضاف أن من ضمن الاحتياجات الأساسية للشباب الحاجة للحرية والترويح، ويأتي إشباع هذه المطالب على شكل صور ذهنية يترجمها سلوك الانسان بحياته من خلال علاقاته ومجتمعه، ومن خلال عدم إشباع هذه الاحتياجات يحدث نوع من الارتباك في الذات.

وأشار إلى أن المعاكسات سلوك خاطئ لإشباع احتياج نفسية واجتماعية، ومن هذه الاحتياجات الحاجة للتقدير والاحترام ، فالشاب أو الفتاة إنسان، وكل إنسان يختار الطريقة التي يفضلها للإشباع حتى إذا كانت طريقة خاطئة.

وأكد النفيسي أن حل ظاهرة المعاكسات يرجع للأسرة والمجتمع المدرسي والتربوي والصداقات السيئة، فالأسرة إذا استطاعت أن تتعامل بذكاء تربوي لإشباع حاجة الأبناء للحرية والترويح بطريقة احترافية وليس مزاجية، لن يحيد أحد افراد الأسرة سواء من الفتيات أو الشباب عن الطريق الصحيح، ويسمو الشاب بذاته لتحقيق غايته.

واضاف أنه "لا يوجد أى مؤثر خارجي يفرض على الإنسان الانحراف أيا كانت الأسباب من تفكك أسري أو علاقة عاطفية أو مستوى تعليمي أو فراغ عاطفى أو وقت فراغ، فالمسألة مرتبطة بذات البنين والبنات، الذين يختارون سلوكياتهم حسب الصور الذهنية التي لديهم، وجميع الظروف تكون مبررات فى حين وقعت المشاكل".

وأضاف أن "الدليل على ذلك أنه توجد نماذج كثيرة جدا لدى النساء والرجال في دول تتمتع بالحرية الكاملة مع إتاحة ممارسة الفساد بدون رقيب أو عقاب، ونراهم رغم ذلك في أتم صحة نفسية وذات واعية بالمحافظة على ذاتها من قبل الآخرين". وأكدت الأخصائية الاجتماعية منال الصومالي بأن استخدام الوسائل الحديثة كإحدى الطرق لدى الشباب للمعاكسات يرجع للانفتاح الذي نشهده حاليا في جميع وسائل التقنية، خاصة لدي الفئة العمرية للمراهقين الذين لجؤوا لتوظيف هذه التقنيات بأسلوب خاطئ. وأضافت أن "بعض الشباب يقتبسون مفردات تحمل معاني رنانة دون الفهم لمعانيها ومنها على سبيل المثال "حريتي" "حقوقي" دون النظر لحدود هذه الحرية، مشيرة إلى أنهم يوظفون هذه التقنية حسب ما يشاهدون في القنوات الفضائية أو الإيميلات التي تحفز على تبادل الثقافات. وقالت منال إن المجتمع يفتقد لأساليب التعامل بين الجنسين، وهذا دفع بأن يكون التعامل بينهما يخرج عن المألوف، ويصبح به نوع من التصادم، والخروج عن الحدود باستخدام ألفاظ وعبارات وأغان وصور بذئية، مشيرة إلى عدم وجود توجيه وإرشاد لتصحيح المفاهيم لدى الشباب باستخدام هذه التقنيات بطرق إيجابية والابتعاد عن الاتجاهات السلبية كتذليل هذه التقنيات للمعاكسات.

وكشفت أن ظاهرة المعاكسات حاليا بها نوع من التطفل وإثبات الوجود بطرق غير مقبولة لدى الجنس الآخر، وقد تأخذ صورا من التحدي والخروج عن كافة القوانين.

وأكدت الأخصائية الاجتماعية الحاجة لحملات توعوية لتوجيه الشباب، واستخدام هذه التقنيات الحديثة مثل الجوال والبلاك بيري في إطلاق العبارات التوعوية الهادفة التي قد تساهم بشكل فعال في تقويم سلوك الشباب، وإحداث نوع من التغير الإيجابي، وتعديل المفاهيم الخارجة عن المألوف.

ونفت منال أن تكون سياسة ثقافة الكبت سببا لانتشار ظاهرة المعاكسات، مؤكدة أنها تعود للأخطاء التربوية وأساليب الحوار وأخطاء أخرى مرتبطة بطريقة التوجيه.