قبل ربع قرن من الزمن كان لدينا في المملكة 110 شركات للكهرباء، واليوم لدينا شركة سعودية واحدة فقط، تحمل همومنا في كل دقيقة من أوقاتنا، وتسعى لخدمتنا في كل ثانية من حياتنا، وتجاهد بكل قدراتها وإمكاناتها لتوفير كامل احتياجاتنا في كل موقع من مواقعنا السكنية والتجارية والصناعية والحكومية. في مطلع الأسبوع الحالي قامت هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج بدعوة المختصين في القطاعين الحكومي والخاص لتقديم عرضها المرئي عن وضع الكهرباء الراهن بالمملكة مدعماً بالأرقام والحقائق. أوضحت الهيئة أن الطاقة الإنتاجية الحالية للكهرباء لا تزيد عن 41 ألف ميجاواط، والتي من المتوقع أن ترتفع إلى 121 ألف ميجاواط في 2032م، لتواكب النمو المطرد للاقتصاد السعودي. تزامن هذا اللقاء مع الجهود المكثفة والشاقة التي تقوم بها الشركة السعودية للكهرباء على مختلف الأصعدة، وسعيها الدؤوب لمواجهة أحمال الذروة الطارئة في فصل الصيف الذي هلّ مبكراً، حيث إن خسائر الاقتصاد السعودي من انقطاع الكهرباء تساوي ثمانية أضعاف خسائر الشركة من هذا الانقطاع.
منذ التعرف على إمكانات الطاقة الكهربائية قبل 2000 عام، وتطوير أجهزة إنتاجها في عام 1770م، ما زال العالم ليومنا هذا يقف عاجزاً عن اكتشاف وسائل تخزين هذه الطاقة الثمينة. وما زالت الكهرباء تعتبر السلعة الوحيدة التي لا يمكن تخزين الفائض منها لاستخدامه في أوقات الذروة، وعلى شركات إنتاج الكهرباء في جميع دول العالم تأمين الطاقة للمستهلكين في كل الأوقات والأزمنة.
عبر السنوات الماضية قدمت حكومة المملكة دعماً منقطع النظير لقطاع إنتاج الكهرباء، فأصبحت التعرفة السعودية أقل من مثيلاتها في جميع الدول العربية.
طاقة إنتاح الكهرباء بالمملكة التي وصلت إلى 41 ألف ميجاواط هذا العام، تساوي ضعف مثيلاتها في جمهورية مصر العربية، وثلاثة أضعافها في دول المغرب العربي، وضعفي ما تنتجه سوريا والعراق والأردن مجتمعة. ولا تستخدم كامل الطاقة المنتجة بالمملكة إلا في أوقات الذروة وبحدود 10% سنوياً فقط خلال الأيام شديدة الحرارة، ليصبح الفائض دون استخدام.
وفي الوقت الذي يشكل الاستهلاك الصناعي للكهرباء في الدول المتقدمة حوالي 80% من طاقة التوليد في هذه الدول، إلا أنه لا يزيد عن 18% في المملكة، بينما يشكل الاستهلاك السكني 53%، والتجاري 11%، والحكومي 14%. وبمقارنة دخل الشركة السعودية للكهرباء من هذه القطاعات، نجد أن الاستهلاك السكني يتصدر هذا الدخل بمقدار 34%، والحكومي 22%، والصناعي 16%، والتجاري 12%، ليفوق العجز الذي تواجهه الشركة سنوياً بمقدار يتراوح بين 13-16%. نحن اليوم نعيش في كنف وطن لم يبخل على المواطن في توفير الكهرباء بأرخص الأسعار، وتقديم الدعم لهذا القطاع بكافة الوسائل والبدائل. تقدم الدولة الوقود، من نفط وغاز، لشركة الكهرباء بسعر زهيد لا يزيد عن 3 دولارات للبرميل الواحد، بدلاً من بيعه بالسعر العالمي بحدود 75 دولار، مما يكبد خزانة الدولة 50 مليار ريال سنوياً. وتوفر الدولة القروض الحسنة لشركة الكهرباء، بدلاً من إلزامها بالاقتراض من البنوك بفوائد تفوق تكاليفها السنوية قيمة محطة جديدة. ومع هذا الدعم السخي فإن شركة الكهرباء تحقق دخلاً لا يزيد عن 12.5 هللة لكل كيلوواط من الكهرباء المباعة بالتعرفة الحالية.
ويعتبر هذا الدخل أقل من تكلفة الإنتاج بالسعر المدعوم للوقود التي تساوي 14.2 هللة، وتقفز هذه التكلفة إلى 37.2 هللة بالسعر العالمي للوقود. وفي الوقت الذي لا تزيد فاتورة الكهرباء عن 5% من التكاليف التشغيلية لأكثر من 90% من المصانع السعودية، فإنها تقل عن 10% لحوالي 3% من المصانع، وتزيد عن 10% في 7% من المصانع التي تستهلك طاقة كهربائية ضخمة مثل الأسمنت والزجاج. أما بالنسبة للاستهلاك السكني والتجاري، فإن 80% من المساكن والمتاجر لا تزيد قيمة فاتورتها الشهرية عن 300 ريال في المتوسط.
علينا الوقوف صفاً واحداً مع فرسان هيئة تنظيم الكهرباء وجنود الشركة السعودية للكهرباء لرأب الفجوة الكبيرة بين الحقائق والشائعات.