من مجرد سحابة ثقيلة عابرة، وفقط من رحم بضع سويعات من نهار في مدينة لا تعرف في العادة، عادة المطر، خرج بيان وزارة الداخلية بإحالة 333 متهماً في الفساد في تحقيق كارثة جدة. هنا أعيد تكرار الحقيقة أو الفضيحة المؤلمة: بضعة أحياء وعدة شوارع فقط تدفع بالمئات من المتهمين إلى لجان التحقيق وطاولات القضاء، وهنا يبرز السؤال: ماذا سيحصل لو أن – سحابة كشف الفساد أمطرت فوق مليونين ونصف المليون من الكيلومترات المربعة هي مساحة هذا الوطن، وكم هم الفاسدون المفسدون الذين سيدخلون دائرة الاتهام في آلاف المشاريع والإدارات والمنافذ التنموية المختلفة؟ ومرة ثالثة، وسابعة، إذا كان هذا حصاد سحابة وحيدة يتيمة دفعت بالمئات إلى دائرة الاتهام، فكيف سيكون حصاد بقية الأعوام المطيرة؟ إن كانت سحابة وحيدة يتيمة داهمت بسيولها ما يقل عن 300 منزل، ولكنها كشفت أكثر من 300 مفسد، فهل تكون المعادلة الشاملة على المساحة الوطنية الكاملة بالتقريب: فاسد واحد في كل منزل؟ ومرة ثانية وعاشرة، تصوروا لو أن كل سحابة على المليونين ونصف المليون كيلومتر مربع تمطر لا لتروي الأرض، بل لتكشف الفاسدين في كل بيت ودار وشارع وزنقة، كم هم الذين سيدخلون أوراق التحقيق، لأننا اكتشفنا أن المطارات أقل من قياساتها على مشاريع الورق؟ كم هم الذين سيدخلون دوائر الاتهام، لأن المساجد والحدائق والمدارس وباقي الخدمات العامة تختفي من جل الأحياء بعد أشهر على اعتماد المخطط؟ كم هم الذين سيدخلون دائرة الاتهام بالفساد، لأن الطرق الطويلة والقصيرة سرعان ما تتحول إلى (تحويلات) للصيانة حتى قبل أن تستلم الجهات الرسمية تلك المشاريع على الأرض؟ كم هم الذين سيدخلون دوائر الاتهام في مشاريع الماء الذي شاهدنا حفرته منذ سنين والمدرسة الرديئة والمستشفى المتعثر؟ أكثر من هذا دوائر المشتريات والمناقصات والعقود، حيث (الهبرة) التي لا تستطيع أية سحابة (صحراوية) أن تكشفها؟ سؤالي الأخير: من هو الذي سيستطيع التحقيق مع هذا الجيش العرمرم على مليوني كيلومتر مربع، إذا كنا غرقى في فساد سحابة يتيمة واحدة؟ من هو الذي سيبقى نقياً إن كان حصاد سحابة واحدة 333 مفسداً في أقل من 300 منزل داهمتها السحابة وأنا أولكم؟ نحن كلنا شركاء في هذه الجريمة الوطنية ويبلغ بي الشك في نفسي حتى أخال فوق بيتي سحابة.