لم يكن صيف القصيم هذا العام داهماً من حيث توقيته بل من طبيعته الصاعقة، ملقياً غمامة حر خانقة على معظم أجزاء المنطقة ما إن يوشك حفيف الفجر أن يمتص بقايا جحيمها حتى تتقد متألقة، مرة أخرى، مع إشراقة الشمس.

هذه الموجة الشديدة التي تشهدها مدينة بريدة بوجه خاص قلبت موازين الحياة ورسمت وجهاً آخر لظروف المعيشة لكثير من سكان المنطقة بعد أن تخطت درجات الحرارة في كثير من الأوقات الـ50 درجة مئوية جاءت سطوتها الأولى على الحركة في الشوارع والأسواق؛ إذ يخال لك وأنت تجوب شوارع بريدة أن ساعة الزمن قد تغيرت، وأن المدينة تعيش ظرفاً استثنائياً، فالشوارع والطرقات وقت النهار، فترة الظهيرة تحديداً، تبدو كأنها قد رسمت بريشة فنان لا يعكر تناسقها إلا حركة يسيرة هنا وهناك, فلا صخب ولا جلبة، بل سكون وصمت مهيب، تستطيع من خلاله أن تجزم بجدية "موجة الحر" وإقدامها على أن تعمل أثرها في كل أرض تطالها.

حالات التسوق الشاذة, وفتح المحال التجارية في أوقات النهار, نوادر هنا وهناك، وتجوب الطرق على استحياء، فالمتسوق أو التاجر بات يحدد لوقته ويضرب لنفسه الوعد والعهد في ما قبيل غروب الشمس. الكثير من الباعة والمتسوقين باتوا لا يرون قرص الشمس إلا نزراً ليعيشوا الليل في كسب ورزق وحياة.

البيوت نفسها اختلفت مظاهرها، وسادتها حيوية نهارية غير معتادة نتيجة الاستكانة القسرية في المنازل التي جمعت أفراد العائلة جاعلة شغلهم الوحيد، وعملهم المتكرر هو التواصل والمجالسة ناشرة في الأسرة دماء دافئة تستلذ بروح العائلة وتستطعم صخب الأولاد.

موجة الحر تلك لم تقلب ساعة الزمن للأسرة ومظاهر الحياة العادية فقط, بل تدخلت بشكل مباشر في أن تستحث الكثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها الحكومية لأن تسابق الخطى لإنجاز مشاريعها وخططها فأمانة منطقة القصيم دخلت مع الزمن في سباق حثيث من أجل التجهيز لموسم التمور العالمي في وسط بريدة مبكراً لأن موجة الحر أفسدت الكثير مما هو مرسوم ومرتب في استقبال محاصيل التمور وعرضها وبيعها نتيجة إنضاجها محصول النخيل باكرا وتسابقت بعض عربات النقل المليئة بالتمر إلى السوق قبل موعدها معلنة موعداً غير متفق عليه للموسم العالمي.