تفتح زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، للجمهورية السورية، ملف العلاقات بين دمشق والرياض، واضعة العلاقة المتطورة بين البلدين على سكة التطور، والتنسيق الدائم، خدمة للمصالح الثنائية، وتأسيسا لـ"شبكة أمان" عربية، تحمي المنطقة من تداعيات أي تطورات تحصل مستقبلا، خصوصا في موضوع القرار الظني المرتقب صدوره في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وما تسرب من أنباء عن احتمال توجيه اتهام لأعضاء "غير منضبطين" من "حزب الله" اللبناني، وهو الأمر الذي حذر منه ورفضه أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله.


بعدٌ عربي

زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز، تحمل في طابعها القومي مسألة "الإستراتيجية والمشروع السياسي العربي"، فالأجواء الدمشقية مهيأة لزيارة المليك، وأجواؤها السياسية، تدفع باتجاه إعادة أعمدة المحور العربي "سوريا- السعودية – مصر"، والذي انفرط عقده خلال السنوات الماضية، إثر التباين في وجهات النظر إزاء العديد من الملفات السياسية (الفلسطيني – اللبناني- العراقي)، وهي الملفات الساخنة التي شكلت في بعض نقاطها نقاط اختلاف، إلا أن الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد ناصر عجلاني، رأى في تعليق خاص إلى "الوطن"، أن "الصيف الساخن في المنطقة الإقليمية، يستلزم على الدولتين التنسيق والتشاور الدائم، باعتبارهما قيادتين سياسيتين، لحلحلة العديد من الملفات، التي تقف عائقاً أمام المشروع السياسي العربي". ويضيف عجلاني أن "دمشق والرياض تعتبران صمام الأمان في المنطقة، نظراً للأوراق التي يمتلكها البلدان، في إطار السياسة الخارجية لكل منهما، ومدى التأثير الذي يمكن أن يستفيد منه الطرفان في إدارة الأزمات السياسية"، معتبرا أن زيارة خادم الحرمين الشريفين تدخل ضمن إطار "العلاقات العربية – العربية"، وتطوير هذه العلاقات نحو الأفضل.


أجواء مثالية

التوقيت الذي تأتي فيه زيارة خادم الحرمين الشريفين للعاصمة دمشق، يأتي في مرحلة تعيش فيها العلاقات السورية السعودية "أجواء مثالية"، كما وصفها وزير الخارجية وليد المعلم مؤخراً – بحسب وكالة الصحافة الفرنسية- ، والذي قال إن العلاقات بين دمشق والرياض تعيش حالياً "حالة توافق تجاه العديد من القضايا العربية، بفضل حكمة الملك عبد الله، والرئيس الأسد، والتي ساهمت في زوال الغيمة التي كدرت صفو العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين".

يشار إلى أن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى سوريا، هي الثانية له منذ توليه العرش، بعد أن كانت زيارته الأولى في أكتوبر الماضي، فيما تعد زيارته المرتقبة للبنان، هي الأولى من نوعها، إلا أنه زارها في عام 2002، ممثلا للمملكة في القمة العربية، والتي عقدت في بيروت. وكانت الأشهر الماضية قد شهدت عدداً من الزيارات المتبادلة بين المسؤولين السوريين والسعوديين على مختلف المستويات، كانت أبرزها الزيارات التي قام بها الرئيس الأسد للسعودية خلال شهري مارس وسبتمبر الماضيين، إضافة إلى زيارة الملك عبد الله لدمشق العام الماضي، وإيفاده لنجله الأمير عبد العزيز بن عبد الله، كما وزير الثقافة والإعلام د.عبد العزيز خوجة بشكل دائم لدمشق، مما أسهم في إعادة الدفء للعلاقات السورية السعودية عقب أعوام من التوتر بسبب الخلاف حول بعض الملفات الإقليمية وعلى رأسها الملف اللبناني، وأسهم كذلك في التمهيد لعودة العلاقات اللبنانية السورية، وزيارة كل من رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط إلى دمشق، بعد سنوات من القطيعة.





تطور في العلاقات

وفي سياق متصل، ووفقاً لعدة مصادر إعلامية، توقعت مصادر دبلوماسية سعودية في دمشق، أن "تشهد العلاقة بين البلدين قفزة نوعية جديدة عقب الزيارة"، مشيرة إلى "أن المنطقة تمر بمرحلة انتقالية حساسة، تقتضي العمل الحثيث والمشترك بين الدول العربية"، وذلك بحسب حديثها لوكالة "آكي"، معتبرة أن "كل لقاء قمة يجمع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، مع الرئيس السوري بشار الأسد، هو لقاء هام جداً"، مشيرة إلى أن "التواصل السعودي السوري لم يتوقف في الشهور الأخيرة".


 علاقات متقدمة

أستاذ الرأي العام بالأكاديمية السورية الدولية، الدكتور نزار ميهوب، قال في حديث إلى "الوطن" إن "العلاقات البينية بين البلدين في تقدم مستمر، خاصة بعد تعيين سفير سوري جديد لدى الرياض، كان يشغل منصبا وزاريا سياديا مهما.. وهي وزارة الإعلام، وهذا بعد مهم في رغبة القيادة السياسية السورية في إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي أصابها نوع من الفتور السياسي خلال الأعوام المنصرمة"، مضيفا في معرض حديثه أن "قيادتي البلدين تمارسان نوعا مما يطلق عليه الدبلوماسية العامة". إلا أن الدكتور ميهوب شدد على أن "الموقع الجغرافي لكلا البلدين، يفرض عليهما أجندة سياسية معينة، فما يشكل أولوية بالنسبة لدمشق قد لا يمثل أولوية بالنسبة للرياض"، ولذا وبحسب وجهة نظره فإن"التباين أمر طبيعي في إدارة الملفات السياسية بين البلدين، إلا أن هناك إجماعا كبيرا في القضايا المصيرية، على رأسها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي". وأكد الدكتور ميهوب أن "مرحلة البرود السياسي بعد العامين 2005- 2006، تم تجاوزها بين البلدين"، مبينا أنه "لا خلاف في الاستراتيجية بين القيادتين في البلدين، لكن يمكن القول، إن هناك اختلافا في التكتيكات لا أكثر".

الملف الإيراني النووي

الكاتب السياسي السعودي الدكتور يوسف مكي، أشار إلى أن "القمة السعودية السورية" تعد حالة من النضوج السياسي العربي، مضيفاً في حديثه إلى "الوطن" أن عودة "العلاقات تمثل مؤشر نجاح على مواجهة التحديات العربية برؤية إستراتيجية مهمة". مكي أشار إلى أن الملف النووي الإيراني سيكون حاضراً بقوة، "نظراً لحساسية هذا الملف من الجانب الخليجي خاصة"، معتبرا أن "المباحثات ستشمل تأثير العقوبات في المحادثات بين البلدين، خاصة في ظل المد الإيراني، الذي أصبح جزءا من المعادلة الدولية، والتي لها تداعيات على الأطراف المجاورة لطهران".


عودة المثلث العربي

زيارة خادم الحرمين لسوريا، التي تأتي بعيد قمته في شرم الشيخ، مع الرئيس المصري حسني مبارك، بقدر ما يأمل كثيرون أن تؤتي أكلها في عودة العلاقات المصرية السورية، إلا أن هذه العودة بشكل سريع، ربما لا تتحقق بالشكل المطلوب، كما يرى الدكتور نزار ميهوب، معتبرا أن "العلاقات بين القاهرة ودمشق ليست على المستوى المأمول، ويعود ذلك لالتفافهما نحو أزماتهما الداخلية". وأشار ميهوب إلى أن "الرياض تملك ثقلا كبيرا في الوسط الدولي، بحكم علاقاتها مع القوى الدولية المؤثرة، وكذلك ثقلها الخليجي المؤثر، أضف لذلك الثقل السوري القريب من الملف العراقي، واللبناني، والفلسطيني". ودعا ميهوب قيادتي البلدين إلى "استثمار نقاط القوة التي تمتلكها دمشق والرياض، في خدمة المشروع السياسي العربي". ميهوب لم يتوقف عند هذا الحد، بل أشارإلى أن "هناك جهات دولية وإقليمية – دون أن يسميها- لا تريد عودة العلاقات بين البلدين". إلا أنه أكد أن "قيادتي البلدين تجاوزتا ذلك لقناعتهما بعودة تلك العلاقات إلى سابق عهدها، ولن تؤثر تلك الجهات لوجود قرار على مستوى القيادة السورية والسعودية".

المحكمة الدولية ولبنان

تجاذبات السياسة اللبنانية تحضر بقوة في المحادثات بين الرياض ودمشق، خاصة ما طرأ مؤخراً حيال المحكمة الدولية، المرتبطة بحادثة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، هذا ما أكده الكاتب يوسف مكي، مضيفاً "إن هذه القضية تحتاج إلى تنسيق القيادتين السورية والسعودية، نظراً للأدوار الكبيرة التي يمكن أن يمارسوها حيال ذلك ". ويضيف مكي "إن الملك عبد الله نجح في الحضور الإقليمي في المنطقة، وذلك عبر نزع فتيل الاحتقانات الإقليمية العربية، وعودة روح التعاضد العربي"، مستشهداً بـ"إعادة مسار تصحيح العلاقات بين الرياض ودمشق، والدفع بالاستقرار السياسي في المسار اللبناني".

 لكن على الطرف الآخر، كان هناك رأي مختلف، لأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود الدكتور خالد الدخيل، في مجمل ما ذهب إليه مكي، حيث قال إن "السعودية أعطت الضوء الأخضر لسوريا في لبنان، ولم تأخذ مقابلا، وكان هدفها الذي لم يتحقق هو إخراج دمشق من عزلتها العربية، وتعاونها في التخفيف من حدة النفوذ الإيراني فيها". إلا أن رأي الدخيل هذا، اختلف مع رأي ميهوب، حيث رأى الأخير أن "السعودية باركت التحرك السوري، بناء على المعطيات الموجودة على الأرض، فيما يتعلق بنفوذها الكبير في المسار اللبناني".


الملف العراقي

وبحسب خبير العلاقات الدولية الدكتور محمد عجلاني، فإن هناك "صعوبات في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، لذا ستبحث هذه القمة هذا الملف، لدفع المنطقة نحو الاستقرار"، مشيراً إلى وجود "تقاطع كبير بين قيادة القطرين في إدارة الملف العراقي، يتمثل في خروج المحتل الأمريكي، وتشكيل حكومة وطنية شاملة، وعدم تقسيم العراق إلى فيدراليات على أسس طائفية. يأتي هذا انطلاقاً من البعد القومي العروبي"، ومبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشوؤن الداخلية للبلدان، وهي السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية.